يُولَد
اليأس بسبب ضغوطٍ نفْسية على صورة أزمَات، يتمُّ التعامُل معها بشكل غيرِ
صحيح، أو مغالطات في فَهْم أمور الحياة، فيُصاب بما لم يتوقَّعْه، فيحصل
عندَه إحباطٌ ويأس وانقطاع أمَل، والبعض يواجه متاعبَ ومصائبَ في الحياة لا
يُمكنه مواجهتُها أو تحمُّلها، فيصاب باليأس، أو يرتكب أخطاء في حقِّ
الله، فيقع فريسةً لليأس؛ ولهذا سنتكلَّم عن أسباب اليأس، ونردف ذلك
بالعِلاج، وقبل ذلك نشخِّص هذا الداءَ، ونحاول التعرُّفَ على بعضِ أوصافه،
وآثاره، ومِن الله نستمدُّ العون والتوفيق:
من دواعي اليأس: هجومُ
مصائب متتالية مِن فقْد ولد ومال وأحبَّة، فيُصاب باليأس منَ الحياة لعدمِ
بقاء مَن يُسلِّيه ويؤنسه، أو دخول في اختبارات عِلمية وعملية، مع التمكُّن
والكفاءة، فيفشل لسببٍ ما - عدم الاستعداد لها جيِّدًا أو قدرًا - فيحصل
عندَه اليأس من مواصلةِ السَّيْرِ على الدَّرْب، وكان مِن الممكن لو واصَل
لنجَح، أو يسعَى للحصول على وظيفةٍ وهو أهلٌ لها، بينما يرَى مَن لا خِبرة
لهم ينعمون بوظائفَ جيِّدة، وهو يرزح تحتَ الفقْر، فيُصاب باليأس، أو يريد
الإحْصان والعَفَاف مِن خلالِ الزواج، فيجد الأبوابَ مؤصدةً أمامَه، فيسلك
سُبلَ الحرام، وهكذا تجد اليأس يطرُق أبواب الناس، تعدَّدتِ الصور
والمؤدَّى واحد، فلا بدَّ من التصدِّي له؛ لأنه وهمٌ وخيال، وبيان ذلك فيما
يلي:
يؤدِّي إلى آثار منها - إن لم يتداركِ الأمر - ما يلي:
1-
الإحساس بالعجز، وأنَّه لا يُمكِنه بلوغُ القصد أو تغيير الحال، وهو نابعٌ
من الشعور بالهزيمة، مما يؤدِّي إلى الاستسلام، وعدم المحاولة.
2-
مع الكفاءة العِلْمية والعملية الشُّعورُ بعدم الثِّقة بالنفس، والدليل
أنَّ غيره يملِك من الموهبة دونها أو مثلها، وتراه متفوقًا في عمله،
فالمشكلة ليستْ في الذات، فكلٌّ له تفكير وعقل، وبالإمكان الوصولُ إلى
الغايات، ولكن المشكلة في الكيفية، والتفكير في الحل.
3- ويَنتج
عن ذلك زوالُ الإرادة والهِمَّة، خاصَّةًَ مع تَكْرار الفشل، فسيحمل صاحبه
على الانطواءِ والعُزلة، وهو مِن أخطرِ أنواع اليأس.
4- فقدان
الأمَل، وضياع الأماني، وكُرْه الذات، وأنَّه لا فائدةَ من البقاء، ممَّا
يقود إلى نتائجَ سلبيةٍ خطيرة، خاصَّة مع انعدام المشورة، والنُّصح مِن
الآخرين.
لقدْ خَلَق اللهُ الإنسان وأكْرَمه بالعقل،
وأوْدَع فيه مواهبَ عدَّة تختلف من شخصٍ لآخَرَ، واستخلفَه على عمارة
الأرْض، ودلَّه على سُبل الخير والشر، وأمدَّه بأسبابِ العلم وفتَح له
نوافذه، وجعَل له من الوحي المنزَّل على الأنبياء نورًا يستضيء به، وهاديًا
له نحو الأمل، فإنْ هو أحْسن استعمالَ ما أمدَّه الله به، وطلَب العوْن من
ربِّه، وأخذ المشورة مِن غيره، واستفرغ وُسعَه في الطلب وصَل إلى مبتغاة،
وإنْ قصَّر في الطلب ولم يَستضِئْ بنور الإيمان، وتعالَى عن مشورةِ غيره،
والاستفادة من تجارِب غيره أصابَه الفَشَل، وليس ذلك هو آخِر المطاف، فباب
الأمل مفتوح، يُمكنه أن يتداركَ ما فاته، وبلوغ القصْد، ومن جُملة ذلك:
1-
أعظم ما يهوِّن على المسلِم ما يقع عليه مِن مصائب ومِحن، وما يواجهه مِن
صعوبات ونكبات، هو الإيمان العميق بأنَّ كلَّ شيء قدَّره الله وقضاه،
وأنَّه مكتوبٌ عليه قبل أن يُخلَق، وأنَّ تسليمَه بما قدَّره الله عليه
سيُورِثه انشراح الصَّدر، وراحة البال، ويجعل الدنيا أوسَعَ ممَّا هي عليه
في نظرِه، وربَّما يعوِّضه الله خيرًا مما فاته.
2- الأخْذ
بالأسباب، ومعرِفة الإنسان لإمكانياته وقُدراته، واليأس غالبًا ما ينشأُ
مِن أمرين: إمَّا أنَّه يحتقر نفسَه فلا يفعل ما في وُسعِه لحلِّ المشكلة،
أو يعتقد أنَّه بإمكانه فعَل أكثر ممَّا يفعل، فيحمل نفسَه فوقَ الطاقة،
فيقاوم ثُمَّ ينهار، فالمطلوبُ الاعتدال، وأنَّ الله لَم يكلِّف نفسًا إلا
وسعَها.
3- لكلِّ إنسانٍ مواهبُ متعدِّدة كامنة في النفْس، قد
لا يعلم بها فلا يَيْئَس إذا فشل في موهبةٍ وإبداع ما، عليه أن يجرِّبَ مِن
طريق وموهِبة أخرى، فحتمًا سيُفلح، وسيجد طريقًا إلى المعالي، ولهذا طرقٌ
ليس المجالُ لذِكْرها الآن.
4- ممَّا يدفع اليأسَ أنَّه في
حالِ وقوع مشكلةٍ ما يقدِّر لها احتمالاتٍ مثل أنَّها أبقت على أشياء،
وأنها لم تكن أقوى ممَّا كانت، وأنَّه أفْضَل من غيره، فغيرُه أُصيبَ
بأكثرَ مما أصيب.
5- ليعلم أنَّ كثيرًا مِن ذوي العاهات -
وهو أفضل منهم جسديًّا - أصبحوا مبدِعين وموهوبين رغمَ ما بهم، ولم
يَعُقْهم ذلك عن بلوغِ القصْد، ولم يداخلْهم اليأس.
6-
الفشَل مرَّة وأخرى لا يَعْني نهايةَ المطاف، وقد ذُكِر عن القائد التتري
(تيمور لنك) أنَّه فشِل في معاركَ عِدَّة، فرأى نملة تصعَد جدارًا وتتسلَّق
الحائط ثلاثين مرَّة حتى نجحَت، فقال معاتبًا نفسه: أيكون ذلك المخلوق
الضعيف أقوى منِّي؟! فتجهَّز وأخَذ العُدَّة وقاتل حتى انتصَر، ويُذكر عن
المقرِئ محمود الطبلاوي أنَّه فشِل في الاختبارات المبدئية للدخول للإذاعة
ثلاثَ مرَّات، فلم يَيْئَس حتى نجَحَ أخيرًا، وأصْبح ذلك المقرئ المشهور
الصِّيت.