دفاع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم
يحيى بن موسى الزهراني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه خير ثواباً ، وخير أملاً ،
ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، لا يزال ربنا براً رحيماً ، عفواً
كريماًً ، بعباده خبيراً بصيراً ، من يهده الله فلن تجد له مضللاً أبداً ، ومن
يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
إلهاً واحداً ، فرداً صمداً ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أحسن الناس خلقاً
وخلقاً ، وعبادة وورعاً ، وزهداً وتقوىً ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير
ألٍ وأفضل صحباً ، وسلم تسليماً مديداً كثيراً . . . أما بعد :
فأكرم الله البشرية ، بمحمد صلى الله عليه وسلم ، حيث أخرجها الله من الظلمات
إلى النور ، ومن الذل إلى العز ، ومن المهانة إلى الكرامة ، ومن الجهل إلى
العلم ، أبطل عادات الوثنية ، وقضى على معالم الشركية ، وغير الكرة الأرضية ،
من ظلم وجور ، واستعباد وتكبر ، إلى عدل ومساواة ، وتواضع وتسامح ومساماة ،
أنقذ الله به الناس من النار ، إلى الجنة دار القرار ، فأليس لهذا النبي الكريم
علينا حقوقاً نقوم بها ، ومساعٍ نشكره عليها ، وعرضاً نذب عنه ، وقولاً ندافع
به ، وهو القائل صلى الله عليه وسلم : " من ردّ عن عِرْض أخيه المسلم ، كان
حقاً على الله عز وجل أن يردّ عنه نار جهنم " [ أخرجه أحمد ، والترمذي وحسنه ،
وابن أبي الدنيا ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب من حديث أبي
الدرداء رضي الله عنه ] ، فإذا كان هذا في حق بقية الناس ، فكيف بحق النبي صلى
الله عليه وسلم ، الذي ظهرت للناس معجزاته ، وبانت لمتبعيه محبته وشفقته ورأفته
، وتبين للمسلمين رحمته وعطفه ، فحري بكل مسلم ، بل واجب على كل مسلم ومسلمة ،
أن يدافع عنه ، ويذب عن عرضه المصون ، وينافح ويناضل أهل المجون ، بل ويقاتل من
أجل حقوقه إذا انتهكت ، وسيرته إذا انتقصت ، وصورته إذا تشوهت ، كل بما آتاه
الله من الاستطاعة .
فمن كان يحب محمداً صلى الله عليه وسلم ، فليحب من يحب المصطفى ، ويبغض من أبغض
الحبيب المجتبى ، فعلى ذلك يجب بغض الكفار الذين أساءوا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ، وقطع دابرهم ، والانتقام منهم ، مع ما أعده الله لهم من العذاب
والوبال ، قال الله تعالى : { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ
وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ التوبة61 ] .
وقال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } [
الأحزاب57 ] .
فيجب على كل مسلم أن يرفع راية الجهاد للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولهم في ذلك قدوة ، وحكم من أحكام المصطفى :
أخرج أبو داود وصححه الألباني من حديث ابنُ عَبّاسٍ رضي الله عنهما : أنّ
أعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمّ وَلَدٍ تَشْتِمُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ
فِيهِ ، فَيَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي ، وَيَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ ، قالَ
: فَلَمّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النّبيّ صلى الله عليه
وسلم وَتَشْتِمُهُ ، فَأَخَذَ المِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا ، وَاتّكَأَ
عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا ، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ ، فَلَطَخَتْ مَا
هُنَاكَ بِالدّمِ ، فَلَمّا أصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبيّ صلى الله عليه وسلم
فَجَمَعَ النّاسَ فَقَالَ : أنْشُدُ الله رَجُلاَ فَعَل مَا فَعَلَ لِي
عَلَيْهِ حَقّ ، إلاّ قامَ ، قالَ : فَقَامَ الأعْمَى يَتَخَطّى النّاسَ ،
وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم
فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ! أنَا صَاحِبُهَا ، كَانَتْ تَشْتِمُكَ ، وَتَقَعُ
فِيكَ ، فَأَنْهَاها فَلاَ تَنْتَهِي ، وَأَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ ، وَلِي
مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلَ اللّؤْلُؤَتَيْنِ ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً ، فَلَمّا
كَانَ الْبَارِحَةَ ، جَعَلَتْ تَشْتِمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ ، فَأَخَذْتُ
المِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتّى
قَتَلْتُهَا ، فَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : " ألاَ اشْهَدُوا إنّ
دَمَهَا هَدْرٌ ".
وعن جابرِ بنِ عبدِ الله رضيَ اللهُ عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" مَن لكعبِ بنِ الأشرف ، فإنه قد آذَى اللهَ ورسولَه ؟ قال محمدُ بنُ مَسلمةَ
: أتحب أن أقتلَهُ يا رسولَ الله ؟ قال : نعم ، قال فأتاهُ فقال : إن هذا ـ
يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم ـ قد عَنّانا وسألنا الصدَقة ، قال : وأيضاً
واللهِ لتَمَلُّنَّهُ ، قال : فإنا اتَبعناه فنكرَهُ أن نَدَعَه حتى ننظُرَ إلى
ما يَصيرُ أمرُه ، قال : فلم يَزَل يكلِّمهُ حتى استَمكنَ منه فقتله " [ أخرجه
البخاري ، وهو في الصحيحين بأطول من ذلك ] .
ومثل هذا الحديث كثير ، تدل على وجوب قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا
خلاف بين العلماء في وجوب قتل من سبه صلى الله عليه وسلم .
أيها المسلمون : محبة النبي صلى الله عليه وسلم دين ندين الله به ، وسبه ردة
وكفر ، ومن انتقصه أو آذاه أو لمزه أو غمزه فدمه هدر .
سب النبي صلى الله عليه وسلم منكر ، ولابد للمنكر أن يُنكر ، أخرج ابن ماجة عن
عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مروا
بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " .
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره
بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .
فإن لم ننكر المنكر ، فإننا نخشى العقوبة من الله ، لاسيما من يستطيع إزالة
المنكر من ولاة الأمر ، والعلماء ، وكتاب الصحف ، والأئمة وغيرهم ، وهل هناك
منكر أعظم من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي هو ركن من أركان الإيمان ،
فهو داخل في الإيمان بالرسل ، ومن أنكر نبياً أو سبه فهو كافر مرتد ، يجب قتله
بدون استتابة ، وهاهي الحجة قد قامت على أفراد الأمة ليبينوا مدى حبهم لنبيهم
صلى الله عليه وسلم ، وهاهي الفرصة قد سنحت ، لنري الله من أنفسنا خيراً ، فقد
تجرأت صحف دولة الدنمارك على سب النبي صلى الله عليه وسلم ، والاستهزاء به ،
والتنقص من قدره ، وقد ذهبت وفود سفراء الدول العربية والإسلامية إلى رئيس
الدولة الذي أبى مقابلة الوفد متذرعاً ، بأن عمل الصحيفة يكفله القانون تحت
حرية التعبير والرأي .
فيا أمة المليار مسلم ويزيدون ، ماذا تنتظرون ! وقد أهين نبيكم صلى الله عليه
وسلم ، من قبل دولة كافرة ، يرعاها اللوبي الصهيوني ، تدعي كذباً وزوراً أنها
تكفل حرية الأديان ، وتدعي التحضر والتمدن في البلدان ، والرقي بالمعايير
الغربية ، وهي تضمر العداء والكراهية للإسلام وأهله سراً وعلانية ، قال تعالى :
" قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱډيَـٰتِۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ " [ آل
عمران 118 ] .
--------------------------------------------