--------------------------------------------
لقد تجرأت الصحف الكافرة ، ووسائل الإعلام الفاجرة في التعدي على الحبيب
المصطفى صلى الله عليه وسلم ، إما بتعليق قذر ، أو برسم كاريكاتير وقح ، أو من
خلال فلم متسخ ، يقطر منه سم العداء ، ويظهر من خلاله قالب الحقد الدفين ، لهذا
النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، يشوهون صورته ، ويدنسون حياته ، ويسيئون
لفطرته ودينه الذي جاء به ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، وتعالى رسول الله عما
يقولون .
رموه بالإرهاب وهو منه براء ، كيف يرمون الحبيب الرحيم ، بصفة إبليس اللعين ،
وسيرته عليه الصلاة والسلام كلها شفقة ورحمة حتى بالكفار ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللّهِ ، وعَلَيْهِ رِدَاءٌ
نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ. فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ. فَجَبَذَهُ
بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً. نَظَرْتُ إِلَىٰ صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ
اللّهِ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ. مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللّهِ الَّذِي عِنْدَكَ.
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ . فَضَحِكَ. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ
" [ أخرجه مسلم ] ، عن ابن عمر قال : " وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةٌ فِي
بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
فَنَهَىَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ
قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " [ أخرجه الجماعة إلاَّ النسائي ] . وعن
رياح بن ربيع : " أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ الَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ، فَمَرَّ رِيَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ مِمَّا أَصَابَتِ
الْمُقَدِّمَةُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا يَعْنِي وَهُمْ
يَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَلْقِهَا حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَأَفْرَجُوا عَنْهَا،
فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ، فَقَالَ لأَحَدِهِمْ: الْحَقْ
خَالِداً فَقُلْ لَهُ لاَ تَقْتُلُوا ذُرِّيَةً وَلاَ عَسِيفاً " [ أخرجه أحمد
وأبو داود ] .
قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن : " في الحديث دليل على أن المرأة إذا
قاتلت قتلت ، ألا ترى أنه جعل العلة في تحريم قتلها لأنها لا تقاتل ، فإذا
قاتلت دل على جواز قتلها " .
وعن أَبي بردة عن أَبي موسى قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حُنَيْنٍ ، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس ، فلقي دريد بن الصّمة ، فقتل دريد
ـ وهو رجل كبير فاق المائة سنة ـ وهزم الله أصحابه .
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار : " فالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قتل الشيوخ في دار الحرب ، ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شيء من
أمر الحرب ، من قتال ولا رَأْي ، وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في
الحرب ، كما كان لدريد ، فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون لأن تلك المعونة
التي تكون منهم أشد من كثير من القتال ، ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا
بها ، فإذا كان ذلك كذلك ، قتلوا " .
وعن أنس : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، لاَ تَقْتُلُوا شَيْخاً
فَانِياً ، وَلاَ طِفْلاً صَغِيراً ، وَلاَ امْرَأَةً ، وَلاَ تُغْلُوا ،
وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا ، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ " [ أخرجه أبو داود ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ : " اخْرُجُوا
بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَىٰ ، تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ
بِاللَّهِ ، لاَ تَغْدِرُوا ، وَلاَ تَغُلُّوا ، وَلاَ تُمَثِّلُوا ، وَلاَ
تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ ، وَلاَ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ " .
وعن ابن كعب بن مالك عن عمه : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَ إِلَى ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ بِخَيْبَرَ
نَهَى عَنْ قِتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " [ نيل الأوطار ] .
قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد : " أجمع العلماء على القول بهذا الحديث
، ولم يختلفوا في شيء منه ، فلا يجوز عندهم الغلول ولا الغدر ولا المثلة ولا
قتل الأطفال في دار الحرب " .
ومن تأمل تلكم النصوص الشرعية ، ودقق النظر ، وأمعن البصر ، وتأصل وتبصر ، وترك
التعصب ، ليدرك رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته ، وحتى الكفار غير الحربيين ،
بل حرم التعرض لهم بأي أذى ، وتوعد المسلم بشديد العقوبة إذا ما سولت له نفسه ،
وقتل بريئاً من الكفار المعاهدين والمستأمنين ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو رضيَ
اللهُ عنهما ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَن قَتلَ مُعاهِداً لم
يرحْ رائحةَ الجنة ، وإِنَّ ريحَها توجَدُ من مَسيرةِ أربعين عاماً " [ أخرجه
البخاري ] ، وصلى الله عليه وسلم : " ألاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً ، أوْ
انْتَقَصَهُ ، أوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أوْ أخَذَ مِنْهُ شَيْئاً
بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ أخرجه أبو
داود وغيره ، وصححه الألباني برقم 2655 في صحيح الجامع ] .
فأي إرهاب دعا إليه عليه الصلاة والسلام ، وهو الرحيم الشفيق الرؤوف بالناس ،
قال تعالى : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة128
] .
لقد تشدقت أفواه الكفار وتشققت ، جراء سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فعليهم من الله ما يستحقون من العقوبة ، والنكال والبلاء والفتن والمحن ،
وأذاقهم الله سوء العذاب ، وبؤس العقاب .
وهذا شيء من رحمته صلى الله عليه وسلم بالكفار ، وتحذيره من قتلهم من غير سبب ،
فهل بعد ذلك يتشدقون بسبه والاستهزاء به ، ولكن ليس بعد الكفر ذنب ، فاللهم
ألبسهم لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ، ودمر اقتصادهم ، وأهلكهم بالقحط
والسنين ، وأرنا فيهم عجائب قدرتك ، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم
المجرمين ، ياذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم .