بلغ الصراع ذروته بين مملكة غرناطة المسلمة وحليفتها دولة بني مرين في المغرب من جهة وإسبانيا الصليبية من جهة أخرى، وذلك في القرن الثامن الهجري وخاصة في نصفه الأول، فلقد حاولت قشتالة وهي أكبر الممالك الصليبية في إسبانيا أن تقضي على مملكة غرناطة التي تمثل الحصن الأخير للإسلام بالأندلس، ولكن الدعم القوي من دولة بني مرين المغربية حفظ الوجود الإسلامي بل حقق المسلمون العديد من الانتصارات الباهرة على صليبـي إسبانيا.
حدثت اضطرابات داخل مملكة غرناطة ذهبت باثنين من سلاطينها الأقوياء هما السلطان إسماعيل بن الأحمر الذي قتل على يد ابن عمه حقدًا وحسدًا وغيرة منه على منصبه، والسلطان محمد بن الأحمر الذي قتل على يد بعض المتآمرين بسبب إصراره على ملاحقة المفسدين والخوارج، وهكذا نرى المسلمين يقتل بعضهم بعضًا على أمور الدنيا، ويكفون عدوهم مشقة لقائهم في ساحات الوغى، وقد استغل الأسبان هذه الصراعات وقاموا بعدة هجمات ناجحة على غرناطة..
فأرسل السلطان يوسف بن الأحمر يستنجد بسلطان بني مرين أبي الحسن علي بن عثمان ملك المغرب، الذي أرسل بالإمدادات يقودها ولده الأمير أبو مالك، ولما علم الصليبيون قدوم جيش أبي مالك أخذوا استعدادهم واتحدت الممالك الصليبية في إسبانيا، وعند سهل بجانة سنة 740هـ التقى الجيشان فهزم المسلمون هزيمة شديدة وقُتل أبو مالك نفسه في الجهاد رحمه الله.
اهتز أبو الحسن ملك المغرب من نكبة المسلمين ومقتل ولده أبي مالك، وقرر العبور بنفسه للجهاد ضد إسبانيا الصليبية، وجهز جيشًا ضخمًا وأسطولاً مثله، ونزل في أوائل سنة 741هـ بمنطقة سهل طريف وانضم إليه السلطان يوسف بن الأحمر ومعه خلاصة أهل غرناطة وعلماؤها وقتها وفقهاؤها وسائر أبطالها، وكان النصارى قد استعدوا لمثل هذا اللقاء، فأسرعوا قبل قدوم المسلمين واستولوا على ثغر طريف وتغلبوا على حاميته، ورابط الأسطول الصليبـي في مياه المضيق بين المغرب والأندلس ليمنع قدوم الإمدادات من المغرب، واعتمد الصليبيون على أسلوب المطاولة؛ حتى تنفد مؤن الجيش الإسلامي الكبير.
وفي يوم 1 جمادى الأولى سنة 741هـ نشبت بين الفريقين معركة عامة على ضفاف نهر سالادو، وتولى السلطان أبو الحسن قيادة جيشه بنفسه، أما الجيش الصليبي فيقوده "ألفونسو الحادي عشر" وأثناء القتال المشتعل تسللت فرقة إسبانية من الجنوب وانقضت على مؤخرة الجيش الإسلامي، فدب الخلل إلى صفوفه وسقط معسكر سلطان المغرب الخاص في يد الصليبيين وفيه حريمه وبعض ولده، فذبحوا جميعًا على الأثر بوحشية مروعة، وعم الخلل كل صفوف المسلمين، وفر الكثيرون ووقعت هزيمة فظيعة وكارثة مدوية على المسلمين لم يشهدوا مثلها منذ موقعة العقاب، وقتل معظم العلماء والفقهاء والصالحين في المعركة حيث لم يفر منهم أحد، وكانت هذه الواقعة أولى الضربات المؤثرة والموجعة والمؤذنة بسقوط الأندلس.