[ ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي ]
قال ابن إسحاق :
وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له "
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله
والله خير الماكرين " وقول الله عز وجل " أم يقولون شاعر نتربص به ريب
المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " .
قال ابن هشام : المنون الموت . وريب المنون ما يريب ويعرص منها .
قال أبو ذؤيب الهذلي : أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة .
[ طمع أبي بكر في أن يكون صاحب النبي في الهجرة وما أعد لذلك ]
قال
ابن إسحاق : وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال فكان حين استأذن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تعجل لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه
وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره
يعلفهما إعدادا لذلك .
[ حديث هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ]
قال
ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين
أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر
أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول
الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه أتانا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها . قالت
فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا
لأمر حدث . قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى
الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخرج عني من عندك ; فقال يا رسول الله إنما
هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي فقال إن الله قد أذن لي في الخروج
والهجرة . قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة . قالت فوالله
ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي
يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا .
فاستأجرا عبد الله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر وكانت أمه امرأة من
بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ،
فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما ).
[ من كان يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال
ابن إسحاق : ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحد ، حين خرج إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر . أما
علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه وأمره
أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي
كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء
يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم .
[ قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار ]
قال
ابن إسحاق : فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا بكر
بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار بثور -
جبل بأسفل مكة - فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع
لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم
من الخبر ; وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما
، يأتيهما إذا أمسى في الغار . وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام
إذا أمست بما يصلحهما .
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن
الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه
وسلم بنفسه .