تَبِعَاتُ الْفَاحِشَةِ
يحيى بن موسى الزهراني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد القهار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي
الجبار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار ، صلى الله وسلم عليه
وعلى آله وصحبه الأخيار . . وبعد :
المقصود بالفاحشة هنا فاحشة الزنا ، لقوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ
الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } [ الإسراء32 ] ، وإلا
فالفاحشة يُراد بها اللواط كما قال سبحانه : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن
الْعَالَمِينَ } [ الأعراف80 ] .
وسوف نتحدث في هذه الأسطر عن تبعات ومخاطر فاحشة الزنا ، والتي وقع فيها
البعض من المسلمين غير مبالين بما أعد الله لهم من عقوبة وتبعات تتبع فعل
هذه الفاحشة العظيمة الأليمة .
ثم نتحدث عن أدعية يدعو بها من وقع في فاحشة الزنا وربما ألفها وأحبها وشغف
بها واستزله الشيطان ليكون من حزبه ، لعل الله أن ينقذه منها قبل فوات
الأوان ، وإليكم البيان ، والعون من الله الواحد الديان .
كان هناك تاجر من العراق صاحب خلق ودين واستقامة وكثير الإنفاق على أبواب
الخير من الفقراء والمعوزين وباني المساجد ومشاريع الخير .
فلما كبرت به السن وكان له ولد وبنت ، وكان كثير المال ذائع الصيت ، فأراد
أن يسلم تجارته لابنه ، حيث كان التاجر يشتري من شمال العراق الحبوب
والأقمشة وغيرها ويبيعها في الشام ويشتري من الشام الزيوت والصابون وغير
ذلك ليبيعه في العراق .
فبعد أن جلس مع ابنه وأوصاه وعرّفه بأسماء تجار دمشق الصادقين ، ثم أوصاه
بتقوى الله إذا خرج للسفر وقال : ( يا بني ، والله إني ما كشفت ذيلي في
حرام ، وما رأى أحدٌ لحمي غير أمّك ، يا بنيّ حافظ على عرض أختك بأن تحافظ
على أعراض الناس ) .
وخرج الشاب في سفره وتجارته ، وباع في دمشق واشترى وربح المال الكثير ،
وحمّله تجّار دمشق السلام الحار لأبيه التاجر التقيّ الصالح .
وخلال طريق العودة وقبيل غروب شمس يوم وقد حطّت القافلة رحالها للراحة ،
أما الشاب فراح يحرس تجارته ويرقب الغادي والرائح ، وإذا بفتاة تمرّ من
المكان ، فراح ينظر إليها ، فزيّن له الشيطان فعل السوء ، وهاجت نفسه
الأمّارة بالسوء ، فاقترب من الفتاة وقبّلها بغير إرادتها قبلة ، ثمّ سرعان
ما انتبه إلى فعلته وتيقّظ ضميره ، وتذكّر نظر الله إليه ، ثمّ تذكّر وصية
أبيه ، فاستغفر ورجع إلى قافلته نادماً مستغفراً .
فينتقل المشهد إلى الموصل ، وحيث الابن ما زال في سفره الذي وقع فيه ما وقع
، حيث الوالد في بيته يجلس في علّيته وفي زاوية من زواياها ، وإذا بساقي
الماء الذي كان ينقل إليهم الماء على دابته يطرق الباب الخارجي لفناء البيت
، وكان السّقا رجلاً صالحاً وكبير السن ، اعتاد لسنوات طويلة أن يدخل البيت
، فلم يُر منه إلا كلّ خير .
خرجت الفتاة أخت الشاب لتفتح الباب ، ودخل السقا وصبّ الماء في جرار البيت
بينما الفتاة عند الباب تنتظر خروجه لتغلق الباب ، وما أن وصل السقا عند
الباب وفي لحظة خاطفة زيّن له الشيطان فعل السوء ، وهاجت نفسه الأمّارة
بالسوء فالتفت يميناً وشمالاً ، ثمّ مال إلى الفتاة ، فقبّلها بغير إرادتها
قبلة ، ثم مضى ، كل هذا والوالد يجلس في زاوية من زوايا البيت الواسع يرى
ما يجري دون أن يراه السّقا ، وكانت ساعة الصمت الرهيب من الأب ، ثم
الاسترجاع أن يقول ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) ، ثم الحوقلة أن يقول (
لا حول ولا قوّة إلا بالله ) ، وأدرك أنّ هذا السّقا الذي ما فعل هذا في
شبابه فكيف يفعلها اليوم ، وأدرك أنّما هو دينٌ على أهل البيت ، وأدرك أنّ
ابنه قد فعل في سفره فعلة استوجبت من أخته السداد .
ولمّا وصل الشاب وسلّم على أبيه وأبلغه سلام تجّار دمشق ، ثمّ وضع بين يديه
أموالاً كثيرة ربحها ، إلا أنّ الصمت كان سيد الموقف ، وإنّ البسمة لم تجد
لها سبيلاً الى شفتيه ، سوى أنّه قال لابنه : هل حصل معك في سفرك شيء ،
فنفى الابن ، وكرّرها الأب ، ثمّ نفى الابن، إلى أن قال الأب : ( يا بني ،
هل اعتديت على عرض أحد ؟ ) ، فأدرك الابن أن حاصلاً قد حصل في البيت ، فما
كان منه إلا أن اعترف لأبيه ، ثمّ كان منه البكاء والاستغفار والندم ،
عندها حدّثه الأب ما حصل مع أخته ، وكيف أنّه هو قبّل تلك الفتاة بالشام
قبلة ، فعاقبه الله بأن بعث السقا فقبّل أخته قبلة كانت هي دين عليه ، وقال
له جملته المشهورة : ( يا بُنيّ دقة بدقة ، ولو زدت لزاد السقا ) ، أي أنّك
قبّلت تلك الفتاة مرة فقبّل السّقا أختك مرة ، ولو زدت لزاد ، ولو فعلت
أكثر من ذلك لفعل .
من تبعات الزنا أنه دين أيها الناس ، فاتقوا الله في أعراضكم ، في زوجاتكم
وبناتكم وأخواتكم .
قال الأول :
عفوا تعف نساؤكم في المحرم*****وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً*****طرق الفساد تعيش غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم*****في أهله يزني بغير الدرهم
إن الزنا دين إذا أقرضته*****كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
ومضمون هذا الكلام غير صحيح باللازم ، فأهل الزاني قد
يكونون من أهل الخير والصلاح ، فكيف يؤاخذهم الله بجريرة غيرهم ، وهو
سبحانه عز وجل يقول : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [
الأنعام164 ] ، وقد يقبل مثل هذا الكلام في حالة أن يكون الزاني وأهله من
أهل الشر والفسق والفساد ، فيعاقب الله الزاني بزوجته العاصية ، فيصيبه في
عرضه كما أصاب الناس في أعراضهم ، وكما تدين تدان ، وقد وجد الناس هذا
الأمر في أحوال الزناة كثيراً .
ومن استمر على المعصية وأصر عليها ، فيُخشى عليه أن يظلم قلبه ويسود ،
وينتكس ، ولا يزال العبد ينتهك حرمات الله تعالى حتى يغضب الله عليه ،
فيخسر دنياه وأخراه ، وإن ربك لبالرمصاد .
الزنا من أبشع الجرائم ، وأشد العظائم ، شؤم كله ، وعار كله ، وفضيحة في
الدنيا والآخرة .
صاحبه متوعد بالعذاب في الدنيا والقبر والآخرة ، وليس له خلاق ولا أخلاق .
الزنا جريمة منكرة ، وكبيرة مهلكة ، وعدوان على الشرف والعرض وهتك للستر ،
وقتل للعفاف والحشمة والفضيلة ، ونشر للرذيلة ، فلا يميل إليه ولا يرضى به
إلا كل فاسد وفاسدة وفاجر وفاجرة ؛ ولا يفعل الزنا ويرتكبه مؤمن ولا مؤمنة
بل هو محرم عليهم ، قال تعالى : { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً
أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ
وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [ النور3 ] .
الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى، والزانية
لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى, أما العفيفون
والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا
دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب, وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى
يتوب.
ولا يقدم على الزنا سوي الفطرة ، صحيح العقل ، كامل الإيمان ، قوي الدين ،
بل لا يفعله إلا الضال ، وفاسد العقل ، ضعيف الإيمان والدين ، قليل البصيرة
، سفيه الرأي ، ميت المروءة ، عديم الحياء ، فاقد الغيرة والعفة ، قال
تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [ الروم30 ] .
من عواقب الزنا وتبعاته المريرة المحرقة ، الإصابة بمرض الإيدز ، وهو مرض
خطير مميت لم يجد له الطب الحديث علاجاً ، لأنه عقوبة من الله للزناة
والزواني في الدنيا قبل القبر والآخرة ، وللأسف أن هذا المرض في انتشار
رهيب عجيب في بلاد المسلمين ، لأنهم غفلوا عن عواقب فاحشة الزنا ، وعن
الفعل الذي حرمه الله تعالى على عباده المؤمنين ، وتشير الإحصائيات في
السعودية إلى تنامي عدد مرضى الإيدز ليصبح العدد الإجمالي لمرضى الايدز
السعوديين 4458 مريضاً بنهاية عام 2010م ، فيما يتوقع أن يكون هناك من
يخفون المرض لحرجهم الاجتماعي ، وهناك حالات تتلقى العلاج سراً في دول
الخليج أو دول أخرى ، ولم يستبعد الأطباء أن تكون عشر حالات مقابل كل حالة
مثبتة بما يعني أن الحالات في المملكة قد تصل إلى 44580 مصاب .
وأشارت الإحصائيات بأن زيادة عدد المرضى مخيف ، بل وينذر بوقوع كارثة
إنسانية كبيرة وخطيرة .
واليوم في عام 1433هـ من شهر رجب ، تم منع أكثر من 1200 زواج بسبب إصابة
أحد الطرفين بمرض الإيدز ، عافانا الله والمسلمين من ذلك .
ومن تبعات فاحشة الزنا المنع من التوبة ، فهناك ممن أُصيب بالإيدز بسبب فعل
الفاحشة ، لم يستطع التوبة إلى الله قبل موته ، بل زاد ألمه ومرضه وشدته
ومات ولم يتب إلى الله وهذا ما يُسمى بالاستدراج والإملاء للظالم فليحذر
المسلم من الوقوع في فاحشة الزنا فعاقبتها وخيمة ، وخاتمتها سيئة .
ومن تبعات فاحشة الزنا أن الزنا سبب لعذاب الأمم والشعوب ، وهلاك الدول
والأفراد والجماعات إذا تمادوا فيه ولم يتناهوا عنه ، عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم : " إذا ظَهَرَ الزِّنا والرِّبا في
قَرْيَةٍ فقد أحَلُّوا بأنْفُسِهِمْ عَذَابَ الله " [ رواه الطبراني
والحاكم وصححه وكذلك الألباني في صحيح الجامع برقم 679 ] .
كم من الناس ممن انغمسوا في فاحشة الزنا حتى أدركوا عواقبه ، فأبوا أن
يتزوجوا لخوفهم من الدَّين ، علموا أن الزنا وفاء من أهل البيت ، فعندئذ
أحجموا عن الزواج الشرعي الحلال ، ومضوا في الحرام المفضي إلى النار
والعذاب والنكال في القبر قبل الآخرة ، وكما قيل : من زنا يُزنا ولو بجدار
بيته ، وهذا من تبعات فاحشة الزنا وخطورته .
قال أحدهم : كان رجل في الحي _ الحارة _ معروف بفعل الفاحشة ، لا يتورع عن
ارتكاب ما حرم الله عليه ، ولأن الوفاء من أهل البيت ، يقول : فكانت زوجته
وبناته يدخل عليهن الرجال ويمارسون معهن فاحشة الزنا ، وكما تُدين تُدان .
فاحفظوا فروجكم ، وصنوا أعراضكم ، بالحذر من الوقوع في الفاحشة والرذيلة .
ألا وإن من تبعات الزنا عذاب وصراع نفسي رهيب ، ربما وقع فيه كل أب ظالم
قاس القلب إلى أن مات ، ثم انهال عليه الدعاء باللعنة والعذاب والغضب من
الله ، بسبب منع بناته من الزواج لغرض دنيوي حقير فكان سبباً في وقوعهن في
الفاحشة والعياذ بالله ، ولا أقول ذلك مجيزاً فعل الفاحشة الشنيع المحرم
المريع ، بل محذراً كل مسؤول من أن يكون سبباً في انحراف الشباب والشابات
انحرافاً بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه بسبب التعنت في أمور الزواج ، بل
الواجب على الشباب ذكوراً وإناثاً الإعفاف والخوف من الله تعالى ، مهما حصل
لهم من موانع وعراقيل تعيق زواجهم سواء من قبل الآباء أو بسبب قلة ذات اليد
، وتأملوا قول الله تعالى لكم : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا
يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النور 33
] ، وعليكم باتباع وصية النبي صلى الله عليه وسلم لكم بالصوم وكثرة العبادة
والطاعة ، قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ
الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " [ متفق
عليه ] .