بسم الله الرحمن الرحيم
ومما ينبغي ذكره دولة القرامطة فإنها دولة كان منها على الإسلام مصائب ما أصيبوا بمثلها ، وكان ابتداء أمرهم من سنة 278 في خلافة المعتمد على الله بن المتوكل بن المعتصم ، وقوي أمرهم في سنة 286 في خلافة المعتضد ، واستمر أمرهم سنيناً متطاولة .
وكان أول من ظهر منهم رجل قدم من خورستان إلى سواد الكوفة يظهر الزهد والتقشف ويأكل من كسب يده ويكثر الصلاة ، وأقام على ذلك مدة وكان إذا قعد إليه رجل ذاكره أمر الدين وزهده في الدنيا ، ثم أعلم الناس أنه يدعو إلى إمام من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يزل على ذلك حتى استجاب له خلق كثير ، ومرض بقرية من سواد الكوفة فحمله رجل من أهل القرية يقال له " كرميته " لحمرة عينيه وهو بالنبطية اسم لحمرة العين ، فلما شفي من مرضه سمي باسم ذلك الرجل كرميته ، ثم حُرِف فقالوا قرمط ويقال للتابعين له القرامطة .
وفي تاريخ ابن خلكان : " القرمطي بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم وبعدها طاء مهملة " ، والقرمطة في اللغة تقارب الشيء بعضه من بعض يقال خطه مقرمط إذا كان كذلك .
وأكثر أتباع القرمطي أهل السواد والبادية ممن لا عقل لهم ولا دين ، وأخبرهم بعقائد باطلة وبأحكام مخالفة للشرع في الصلاة والأذان وغيرهما فاعتقدوا صدقه واغتروا بعبادته وزهده وتقشفه فأجابوه ، ثم انتقل إلى ناحية الشام وانقطع خبره إلا أن مذهبه انتشر وكثر المتمسكون به ، وزعم كثير منهم أنهم يدعون إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، وقيل أنهم يدعون إلى محمد ابن الحنفية .
وظهر من القرامطة بناحية سماوة رجل يقال له ذكرويه يحيى ويكنى أبا القاسم ؛ وسموه الشيخ وزعموا أنه محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، قال ابن الأثير : وقيل لم يكن لمحمد بن إسماعيل ولد اسمه عبد الله وكانوا يسمون يحيى بن المهدي ، فقصد القطيف ونزل على رجل يعرف بعلي بن المعلى وكان من الغلاة فأظهر له يحيى أنه رسول المهدي وذكر له أنه خرج إلى أتباعه في البلاد يدعوهم إلى أمره وأن ظهوره قد قرب ، فجمع له ابن المعلى أتباعه من أهل القطيف وأقرأهم كتاباً مع يحيى بن المهدي يزعم أنه من المهدي فأجابوه وقالوا إنهم خارجون معه إذا ظهر أمره ، ووجه إلى سائر قرى البحرين يدعوهم لذلك فأجابوه .
وكان ممن أجابه أبو سعيد الجنابي ( بتشديد النون ) ؛ قال ابن خلكان : منسوب إلى جنابة قرية من أعمال فارس ، فاجتمع على أبي سعيد خلق كثير من الأعراب والقرامطة فقتل من كان حوله من أهل القرى ممن لم يدخل تحت طاعته ، ثم سار إلى القطيف ففعل كذلك .
وأظهر في سنة 286 أنه يريد البصرة فكتب عامل البصرة إلى الخليفة المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل فأمره ببناء سور على البصرة فبناه وأنفق في عمارته أربعة عشر ألف دينار ، ثم أغار أبو سعيد بمن معه من الجيوش على نواحي هجر وقوي أمره فجهز المعتضد لقتاله الجيوش ووقع بينهم وبينه وقائع يطول ذكرها .