لم أقرأ كتاب عايض القرني “لا تحزن” وكذلك لم أقرأ كتابه الذي أدين بسرقته من قبل وزارة الإعلام وعنوانه “لا تيأس”، والسبب لعدم قراءتي يعود ببساطة لكون هذا النوع من الكتب لا يستهويني؛ فمع أن هذه الكتب تمتعت بمقروئية ضخمة بلغت ملايين الطبعات إلا أنها تنتمي لما يمكن تسميته بكتب تنمية الذات، وهي كتب راجت بين القراء ذوي الأمزجة السريعة في تقليب الصفحات، وهم يشعرون أن قراءة أي كتاب -مهما بلغت ضحالته أو سطحيته- ستزيد من رصيد معارفهم، قرَّاء لا يملكون الصبر والجلد والمثابرة في البحث بأمات الكتب الفكرية ذات الصخب العقلي الحقيقي، فيكتفي هؤلاء بلا تحزن ولا تيأس ولا تبكي…، وكيف تصبح تاجراً في يومين، وكيف تتحدث الأسبانية في خمس دقائق… إلخ.
ليست المشكلة تحديدًا في عايض نفسه بل في اتجاه كتب تنمية الذات وهو الاتجاه الآخذ بالتصاعد والتنامي في السنوات الأخيرة، وباتت تدعمه كثيرٌ من الجهود المؤسساتية لأكاديميين يسعون خلف الشهرة والربح السريع، ومعظم هذه الكتب لا تتطرق للنجاح أو التقدم أو التنمية ضمن المعاني العليا لهذه الكلمات، التي تتطلب تأملا فكريًّا جبارًا ينهك أكبر العقول وأكثرها خصوبة، بل على خلاف ذلك نجد وصفات”سريعة” وفتاوى”تلقائية” حول النجاح؛ خصصت للجمهور العريض والواسع، ومن يلاحظ مقروئية هذه الكتب سيصدم أن واقعنا الفكري والثقافي لم يتغير بل ربما يتراجع نحو الخلف!
كذلك لم يكن القرار الصادر من وزارة الإعلام بإدانة عايض القرني مهمًا على الصعيد الثقافي إلا من ناحية واحدة، وهي كشف عوار (القراء) قبل (المؤلفين)! وكشف سوءة الجماهيرية المزيفة التي يتمتع بها كثير من الإعلاميين والمشاهير الذين تتضح فضائحهم أو سقطاتهم بتسارع الوقت وبتقادم الزمن، وما من ريب أن الوسائط التقنية السريعة الانتشار باتت كابوسًا يؤرق أي إنسان مشهور لا يستطيع الحفاظ على موقعه بطريقة احترافية، فكان لهذه الوسائط أن تنشر كثيرًا من الفضائح والسلبيات أسرع من ذي قبل، ولست هنا أهاجم عايض القرني شخصيًّا بل أهاجم على وجه التخصيص جمهوره ومتابعيه الذين كانوا على استعداد أن يدافعوا عنه، إذ لا أحسب أن المشكلة تكمن في الشخص نفسه بل في سيكولوجية الجماهير واختيارها للرموز الجاهزة والأبطال الكارتونيين عوضًا عن تقصي الحقيقة بعيدًا عن كل ترميز واختصار.
إنه لا يمكن أن نلوم إنسانًا على خطيئة يرتكبها أو جنحة يقترفها مرات عديدة؛ لأن الخطأ متأصل بطبيعة الإنسان ولكن نلوم الغوغاء والبسطاء الذين يحتشدون خلف الرموز، والغريب أن هذه الرموز الكبرى مهما ارتكبت من أخطاء سيظل الجميع يبحثون عن رمز يختبئون خلفه وبالونة يستمرون في نفخها. إن هذه الجماهيرية المزيفة ستسقط بمرور الوقت؛ لأن كثيرًا من ملاك هذه الجماهيريات هم بالونات متضخمة من الخارج ومليئة بالهواء في الداخل وعند أدنى وخزة حادة يصابون بالانفجار والتشظي، ولا أحد يستطيع حقًا أن يراهن على سطوة هؤلاء لتواريخ طويلة فهم من ذوي الموجات التي تحركها رياح المحيط، ما إن تنكمش حتى تتكسر على رمال الشاطئ الناعمة، وأكرر مجددا أني لا أقصد هنا الشيخ الفاضل عايض القرني فهو أهون من غيره على كل حال، وإنما المقصد هو نقد الذهنية التبجيلية والتقديسية، التي تحاول دومًا إضفاء طابع غير واقعي على الأشخاص.
ومثل هذا الخبر يوحي بأن ثمة رقابة حقيقية أخذت تتنامى في الوسط الإعلامي لمثل هذه الممارسات والسقطات، وما من شك أن هذه الإجراءات الجزائية قد تتطور بمرور الوقت لتشمل نشاطات أخرى تبدو بنفس الحيوية –إن لم تكن أكثر جذرية وعمقا– وأن مكافحة التسيب والفساد يفترض بها أن تنطلق من المجال الثقافي وتمتد لتشمل الجوانب الأخرى في الاقتصاد والمجتمع بوجهه العام.
إن أولى مراحل الوعي والنقد تبدأ مع إسقاط القداسة والحصانة للرموز وتناول هذه الأسماء من زاوية نسبية لا من زاوية مطلقة؛ فلا يوجد مبدع تام الإبداع، ولا شيخ تام المشيخة، ولا إنسان مطلق الإنسانية، والشيخ بنفسه قد اعتذر عن فعلته وأقر بها على حين ما يزال مَنْ هم دونه في المنزلة يكافحون في سكب مساحيق التجميل على صورهم المشوهة، إنهم لا يعتذرون ولا يتراجعون أبدا، بل يطغون ويتمادون دائما.
خاص