من هو هذا الفارس الذي سيطر على معظم ليالي السمر عند العرب وما تكاد تمر بأرض للعرب الا وتسمع عن ذياب بن غانم حتى انه ألّفت قصص وقصص حول ذياب وبني هلال وما سيرة بني هلال الا أحد تلك الروايات التي ملئت بها المكتبات ، كسيرة الزير سالم ، وسيرة عنترة بن شداد ، وسيرة سيف بن ذي يزن الحميري ، وغيرها كثير .
ايضاً شحنت سيرة بني هلال بالروايات الخرافية والاساطير ، وخصوصاً لدى البوادي ، فكانوا يتصورون الهلاليين قد سبقوا البعثة النبوية الشريفة ، وكنّا ونحن صغار ننصت الى قصص بني هلال من كبار السن ، وكانت قصص خيالية خصوصاً عندما يذكرون في مجالسهم ان نساء بني هلال فارعات الطول عاديّات الخلق نسبة (لقوم عاد) فيقال للرجل هذا عادي أي قديم من عهد عاد .
فيذكرون لنا انهن يرضعن اولادهن وهم على ظهر البعير وهن بالارض وذلك لطولهن ، وكانت تلك الروايات تروى لنا بصيغة التأكيد والحقيقة ، فمن هنا يجب ملاحظة ان التاريخ القديم والانساب وخصوصاً أصولها البعيدة لا تؤخذ من كبار السن فأنهم لا يحفظون ابعد من خامس جد على الأكثر ، ولا يدونون تاريخهم ، ويكون بينهم موت وانقطاع بالانساب فيضيع الكثير من اخبار التاريخ والنسب وتاريخ بني هلال شاهد على ذلك ، وكذلك رواياتهم عن الزير سالم وانه كان معتوه يركب على فرس من خشب ، وأن أخوه كليب رجل لا يدرك ما يدور حوله وفي بيته ، وزوجته الجليلة تخدعه عن اخيه سالم ومن أمثال هذه الخرافات التي شحنت بها عقولنا وأفكارنا ونحن صغار ، وكذلك الروايات الخرافية السوقية شعراً ولغةً والتي شحنت بها السير كسيرة بن هلال .
منهم بني هلال ومنه الفارس الزغبي ذياب بن غانم .
بني هلال بشكل عام هم من بني عامر بن صعصعة من قيس علان ، يعني هم من قبيلة هوازن القيسية ، يعني يتصلون بعتيبة وسبيع والمنتفق وبني خالد والسهول . وقبيلة حرب على قول ابن حزم الظاهري وهو معاصر لهم ونص على ذلك بقوله وحرب الذين بالحجاز وهذا نص صريح بنسب حرب لهم ، ولو ان نسابة حرب يرفضون ذلك ، اذن بني هلال بن عامر بن صعصعة من هوازن .
متى كان عهدهم ، كانوا من اهل القرن الرابع والخامس للهجرة وذلك قبل هجرتهم الى المغرب العربي .
وكانوا فصيلة صغيرة العدد على عهد البعثة النبوية الشريفة .
وحظي الهلاليون في الاسلام بمصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم في اثنتين من نسائة ، هما : أم المؤمنين زينب بنت خزيمة ، وام المؤمنين ميمونة بنت الحارث ، وزينب ماتت في عهده صلى الله عليه وسلم ورضي عنها تعالى .
بني هلال كانوا من انصار القرامطة والدولة الفاطمية بل وهم من ساعد القرامطة على جلب الحجر الاسود الى القطيف ، وكانت هجرتهم من نجد هروباً من الملاحقة بعد سقوط دولة القرامطة على يد قبيلة عنزة الوائلية ممثلين بالدولة العيونية والمؤسس العبدي عبد الله بن على آل ابراهيم العبدي المعروف بـ (العيوني) ووثق ذلك الامير بن المقرب العيوني في ديوانه كما وثق تاريخ وائل جميعاً من بداية وجودهم باليمن حتى القرن السابع للهجرة .
وقد ذكر بالتفصيل صاحب كتاب هجرات الهلاليين من جزيرة العرب الى شمال افريقيا : الاستاذ / ابراهيم اسحاق ابراهيم في ص ـ 37 ، 38 . عن بني هلال حيث قال :
ولا ندري أكانت سليم وهلال قد انصاعتا لتوجيهات القرامطة بعد 317هـ أم قبلها ، لكننا نشهد بعض القيسية مثل (هذيل) قد كمنوا للقرامطة في طريق أوبتهم من الغارة على مكة ، واضطروهم للتخلي عن بعض سباياهم وأسلابهم .
أقول أنا نعم حصل ذلك من قبيلة هذيل والتاريخ خير شاهد لهم انهم الوحيدون الذين كانوا يحاربون القرامطة بالحجاز كما كانوا عنزة ممثلين بعبد القيس ، عندما اقول عنزة فعنزة اليوم تمثل جميع اطياف ربيعة الفرس ، كما كانت بكر بن وائل يوم من الايام تمثل عنزة وغيرها من بني وائل وكذلك ربيعة بشكل عام تمثل كل بطون وائل .
ويقول في موضع آخر : فابن الاثير (ت 636هـ) وابن خلدون يتحدثان عن انضواء طوائف من سليم وهلال تحت راية القرامطة .
ويقول في ص ـ 37 : ويبدو ان القرامطة الذين خرجوا على طاعة العباسيين واستولوا على البحرين وهجر وشرقي بلاد العرب في اوائل المائة الثالثة للهجرة ، سعوا اخيراً الى التوغل في الجزيرة العربية واكتساب ولا بعض القيسية مثل بني كلاب وعُقيل الى صفوفهم ، اقول وهؤلاء البطون هم بني عمومة بني هلال وكلهم عامريين وبني هلال هم من يقودهم بذلك الزمن . تابع فقال : ثم انهم شنوا الغارات على المسالك ونهبوا الحجيج العراقيين . ولعل هذه الفوضى السياسية هي التي قربت بينهم وبين هلال وسليم بوسط بلاد العرب . وقد مهد جهل الهلاليين وسُليم بطبيعة الرباط المتين القائم بين القرامطة والعبيديين الفاطميين بمصر الى تحريك الفاطميين لهذه القبائل على طاولة المصالح السياسية . وكانت غارة القرامطة على الحرم المكي عام 317هـ وتقتيل الحجاج وسلبهم وقلع باب البيت الحرام ومحاريبه وكسوته وانتزاع الحجر الاسود ثم نقله الى القطيف .
اقول انا : وهل ما فعلوه القرامطة بمكة وبيت الله المحرم يجهل احداً من المسلمين والعرب كفره وقبحه ـ كانت تلك القبائل تمثل داعش اليوم في تنفيذ ضربات العدو على ايديهم الداعشية ، والتاريخ كما قيل لا يرحم .
اذن هذه حقيقة بني هلال واساطيرهم التي وضعها الفاطميون للتغطية على ذلك التاريخ السيء .
نعود لذياب بن غانم الزغبي ـ يقول ابن الجوزي في كتابه المنتظم : (أخذ بنو زغبة الهلاليين لركب البصرة ما مقداره الف الف دينار في عام 399) .
فهذا نص واضح يشير الى زمانهم وقبح فعلهم ، واللهجة الهلالية هي لغة عامية حدثت بعد ذهاب اللغة الفصيحة بسبب المولدين بين العرب ومخالطتهم للعجم بعد الفتوحات الاسلامية ـ فهم لهجة بين الفصيح ولهجتنا اليوم العامية النبطية ـ وكان شعر بني هلال قافية واحده في عجز البيت عكس النبطي قافيتين في صدر البيت وعجزه ، وهناك اشكال وخلط بين شعرهم وشعر من جاءوا بعدهم الى القرن العاشر الهجري قبل ان يتحول عامة الشعر للنبطي ، ويغلب على شعار الجزيرة العربية .
وهناك أشعار نسبت للزناتي خليفة امير تونس ، وهو بربري من قبيلة زناته البربرية ولا علم له بلغة اهل نجد والعرب الا ان كان يقول الفصيح حتى يقول ما نسب اليه وهوغير صحيح :
نظرة بقومي نظرة ما تسرني ** وجيه العذارا طلقوها ارجــــــالها
كبار اللحا لا بارك الله باللحى ** صغار اللحى شبوا بقومي افعالها
هذا شعر واضح انه شعر نجدي وقريب من شعر المهادي محمد .
ثانياً ان كان الزناتي خليفة شاعر في لغة العرب فلابد وان يكون شعره فصيح ، او تربى بنجد حتى يفهم هذه اللهجة ، فكيف حفظها وبحضور بني هلال في بلده أيعقل انه تعلمها بهذه السرعة ورد بهذا الشعر على بني هلال ، بل هذه احدى اساطير سيرة بني هلال الخرافية اخذت هذه القصيدة من قصائد عرب نجد ـ كقصيدة الامسح بن رمال الشمري الهلالية والتي يقول فيها :
حلفت ما خلي حلال لوارث ** ولا يصير بين الوارثين اقسام
الا مهرة صفرا ودرع وشلفا ** وسيف شطير في يمين غلام
ووضعها من بين قصيدة ذياب بن غانم والتي يقول فيها :
يقول ابو موسى ذيـــــاب ابن غانم ** انا فاـــرس الهيجا بيوم زحام
انا فارس الشرقين والغرب واليمن ** والكذب من بين الرجال حرام
أقول ايهم أكبر عند الله حراماً الكذب بالشعر والمفاخرة عند ذياب بن غانم، او الغارة على بيت الله الحرام ـ اين هو الكذب من هذا الشعر .
ذياب له قصيدة مشهورة يصور بها حاله اثناء المعركة ـ وتبين هذه القصيدة انه ماهو الا فارس كأي فارس من فرسان العرب في تلك الفترة وغيرها ، ولكن هذه المرة بدون اساطير وخرافات وبلسانه لا لسان المصريين الحكواتية :
يقول الفتى الزغبي ذياب ابن غانـم ** لي راي اقسى من حديد المبــارد
ولي حربــــــــــة سميتها سم ساعة ** اعرضه بالكـــــــون ما كان كايد
حنا ابلينا بالخـــــــــلا بالفين فارس ** وحنـــــا اهل ثلاثين ولا زاد زايد
واهل عشر منا تدب الخيـــــل بالقنا ** كز الى شروى هشيم الوقــــــايد
ابا زيد بايمنهم وانا من يســــــارهم ** كما نــــار شبت ابعض الحصايد
واهل عشر منا اهملوا روس خيلهم ** واهل عشر منا موكدين الشهايد
ينخون خيـــــــــــــال بهم ما عرفته ** يقولون يا وهـــــق يا بو العوايد
ضربني برمــــح تسعة ابواع طوله ** وقنطـــــارة اللي على الباع زايد
ضربني وهــــــــق وانا مشيح لغيرة** اليــــادرع غاد فوق متني بجايد
سديتـــه بدسمالي وثوبي ومشلحي ** ايضا ولا سده جميــــــع السدايد
لكن الدهما طاحت وانا طحت فوقها ** يا طيحـــــــة ما هي لنا بالعوايد
ولكن قامـــــت الدهما تومي بعدته ** وانا كماـــــــ شن على الجو بايد
وانا رفعــت الراس من عقب سدرة ** الياخــــــيل يدبها سرور بن قايد
قــــل : عشت يا قرم ثنا دون ربعة ** بيوم بــــــــه المسناد والرد كايد
وحنــــــــا عصافير وابا زيد سدرة ** نلوذ بــــــه عن مرهفات الحدايد
طبعاً حربة ذياب بن غانم ، سمعنا عنها الاساطير ، وانه ما طعن بها الا وأصاب لحم فإن لم يكن ادمي كان غيره من البهايم ، فمرة قيل انه سئل عنها وقال ما طعنت الا واصبت بها لحماً ، فقالوا انه أخطأ العدو ذات مرة وأصاب حية تحت صخرة !!! ، ولكنه لم يستطيع إصابة الفارس وهق الذي رمحة طوله تسعة ابواع ونصله اللي على الباع زايد .
فكانت حربة ذياب كأي حربة والحرب سجال يوم لك ويوم عليك وهاهو وضح حقيقة نفسه وما جرى له على يد الفارس وهق .
اخيراً كثير من اشعار اهل نجد نسبت الى بني هلال وذلك لبعد زمنهم وواضح من اللهجة ان القصيدة لا تبعد اكثر من القرن السابع او قبله بقليل ، ودمتم بخير .