الحمدُ لله الذي انْعم علينا بالإسلام، وَ رزقـنَـا هذه الهداية بعد الجهْل والضَـلال، وصلّى الله على سيّدنا محمّد الهادي البشير، وَ السّراج المنـير،
وعلى آله وصحْبه، ومَنْ تَبعه إلى يوْمِ الدين ..
وبـعْـد ..
السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته
أخوتي و أخَواتي في الله
أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال
الوصايا العشر من أواخر سورة الأنعام
الكـاتب : حسن إبراهيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
فيقول ربنا- تبارك وتعالى -: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام].
الآية الأولى تشتمل على خمس وصايا، والآية الثانية تشتمل على أربع وصايا، أما الآية الثالثة فتشتمل على وصية واحدة، والمجموع عشر وصايا غالية بيانها كالآتي:
الوصية الأولى: عدم الإشراك بالله، حيث يجب إفراد الله - تعالى -بالعبادة، والعبادة تتضمن الدعاء والاستعانة والاستغاثة وطلب المدد والذبح، فلا يحل دعاء غير الله لقوله: (الدعاء هو العبادة) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
والاستعانة والاستغاثة لا يكونان إلا بالله؛ لقوله: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وطلب المدد لا يكون إلا من الله، فلا يحل أن يقول قائل: «مدد يا حسين»، أو «مدد يا رسول الله»، وإنما نتضرع إليه - سبحانه - ونستغيث به ونقول: «اللهم يا رب أمدنا، اللهم يا رب أغثنا»؛ لقول الله - تعالى-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) الأنفال
كذلك الذبح لا ينصرف إلا لله؛ لقوله - تعالى -: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ) الأنعام، والنسك هو الذبح.
الوصية الثانية: الإحسان للوالدين، لقوله - تعالى- أيضًا: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ) لقمان، ولقوله: (لا يجزي ولد والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم، ولقوله - تعالى- (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) النساء.
الوصية الثالثة: عدم قتل الأولاد بسبب الفقر، وهذا كان يحدث في الجاهلية ولا سيما قتل البنات مخافة الفقر ومخافة العار، ولعل الإجهاض الذي يحدث اليوم وهو قتل للنفس قبل الولادة محرم أيضًا إلا إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى خطر على حياة الأم، وقد يلحق بذلك تحديد النسل ومنع الإنجاب مخافة الفقر؛ لأن الأرزاق مكفولة، يقول - تعالى-: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) هود.
الوصية الرابعة: عدم الاقتراب من الفواحش سرها وعلانيتها، والفواحش هي كل ما تناهى قبحه من كبائر الذنوب مثل الزنا وشرب الخمر وغيرهما، وكل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، ولهذا نهى الله - تعالى -عن الاقتراب من الفواحش، قال - تعالى-: (الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، فلا يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية، ولا الدخول عليها ولا الخلوة بها، ولا يحل الاختلاط بغير المحارم بالمجالسة ولا المحادثة إلا لضرورة قهرية، وبضوابط شرعية، والضرورة بقدرها، وعند الضرورة لا يحل لين الكلام، ولا تحل مصافحة المرأة الأجنبية.
الوصية الخامسة: عدم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والحق هو رجم الزاني المحصن، والقصاص، والردة؛ لقوله: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه مسلم
الوصية السادسة: عدم الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وبلوغ الأشد لا يعني بلوغ سن الحادية والعشرين، ولكن يكون عندما يصبح اليتيم رشيدًا، كما قال - تعالى-: (فَإِنْْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) النساء
والاقتراب من مال اليتيم بالتي هي أحسن يقصد به تنمية المال بالحلال مثل الاتجار به في المباحات إذا غلب على الظن حصول الربح، وكافل اليتيم هنا إن كان غنيًا فعليه أن يستعفف ولا يأخذ أجرة على عمله في مال اليتيم، وإن كان فقيرًا فيحل له أخذ أجرة بقدر جهده؛ لقوله - تعالى-: (وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) النساء.
الوصية السابعة: عدم تطفيف الكيل والميزان؛ لقوله - تعالى-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) المطففين.
ويلحق بالكيل والميزان قياس المساحات عند شراء الأراضي، وقياس الأطوال عند شراء الأقمشة والمواسير والأسلاك، وقياس الحجوم عند شراء الأحجار أو عند محاسبة المقاولين على كميات الحفر والردم وأعمال الخرسانة والمباني، وما إلى غير ذلك
الوصية الثامنة: العدل في الأحكام وفي الشهادة حتى وإن كان أحد الخصمين من الأقارب، وكما قال - تعالى-: (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) النساء
ويلحق بالأحكام والشهادات تقدير الدرجات في الامتحانات، وتقييم الأعمال عند الترقية، أو عند التعيين، أو عند منح الجوائز، أو عند إسناد الأعمال في المناقصات، أو عند البيع في المزادات وما إلى ذلك.
الوصية التاسعة: الوفاء بالعهود، سواء كانت تلك العهود مع الله، مثل التكاليف الشرعية، أو مع الآدميين مثل عقود البيع والشراء؛ لقوله - تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة.
أو مثل المعاهدات والاتفاقيات؛ لقوله - تعالى-: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) الإسراء.
الوصية العاشرة: التمسك بشرائع الدين، وعدم اتباع أي طريق غيرها، فكلها في النار إلا ما كان عليه الرسول وأصحابه، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النهار؛ لقوله: (شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم.
ولقوله: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
والرسول يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه.
والمعنى: أن من ابتدع في دين الإسلام شيئًا فبدعته مردودة عليه غير مقبولة، وليست بدعة حسنة كما يزعم المبتدعة، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، والمعنى: أن من قلد مبتدعًا في أمر من أمور الدين فبدعته مردودة عليه غير مقبولة، والأديان السابقة على الإسلام كلها منسوخة ولا يصح التعبد بها، كذلك من زعم النبوة بعد خاتم الأنبياء محمد فهو كذاب يجب قتله والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين.