أنْ
تأتي ( أنْ ) على أربعة أوجه :
1 ـ حرف نصب ومصدر واستقبال ، تنصب الفعل المضارع وتؤول معه إلى المصدر يعرب بحسب موقعه من الجملة ، كما تعين وقوع الفعل في الزمن المستقبل ، نحو قوله تعالى ( وأن تصوموا خير لكم )(1) .
ومنه قول لبيد :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
وتخل ( أن ) على الفعل الماضي والأمر ولا تعمل فيهما وتعرب حرف مصدر لا غير . مثال دخولها على الماضي قوله تعالى ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ )(2) .
ومنه قول أبي تمام :
فإني رأيت الشمس زيدت محبة إلى الناس أنْ ليست عليهم بسرمد
ومثال دخولها على الأمر :
قوله تعالى ( وألنا له الحديد أن أعمل سابغات )(3) .
وقوله تعالى ( من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون )(4) .
وقوله تعالى ( ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله )(5) .
وقد أشار أبو حيان في البحر المحيط إلى أن ( أنْ ) الداخلة على الفعل الأمر يجوز أن تكون مفسرة لا مصدرية ، ولكن النحاة لم يجيزوا ذلك .
ويجب ملاحظة أن الجملة بعد ( أن ) المصدرية تعرب صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب ، باعتبار أن ( أنْ ) موصول حرفي .
ـــــــــــــ
(1) البقرة [184] (2) هود [69] .
(3) سبأ [10-11] (4) النحل [2] .
(5) لقمان [12] .
أنْ
2 ـ ( أن ) المخففة من الثقيلة المفتوحة همزتها ، وهي تعمل بشرط أن يليها ضمير الشأن المحذوف ، ولا يكون خبرها جملة فعلية كقوله تعالى ( ونعلم أن قد صدقتنا )(1) .
وقوله تعالى ( بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً )(2) .
ومثال مجيء خبرها جملة اسمية قوله تعالى ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )(3) ، وقوله تعالى ( وأن لا إله إلا هو )(4) .
ومثال مجيء خبرها اسم مفرد وهو قليل كما ذكرت قولنا :
علمت أن محمد مقصر ، والتقدير : أنه محمد مقصر .
ومنه قول الأعشى :
في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
والتقدير : أنه هالك . وإذا وليها جملة فعلية كما ذكرنا في الأمثلة السابقة نظرنا إلى الفعل فإن كان قد فصل بينه وبين ( أن ) بفاصل كانت مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، نحو قوله تعالى ( علم أن سيكون منك مرضى )(5) .
ومنه قول جرير :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع
فرفع الفعل ( سيقتل ) بعد ( أن ) باعتبارها مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف تقديره : أنه سيقتل مربعاً .
وإذا لم يفصل بينها وبين الفعل فاصل فلك الخيار في إعمالها في الفعل أو عدم الإعمال واعتبارها مخففة من الثقيلة أيضاً .
ـــــــــــــ
(1) المائدة [113] (2) الكهف [48] .
(3) يونس [10] (4) هود [14] .
(5) المزمل [10] .
أنْ
كقول القاسم بن معن :
أن تهبطين بلا قوم يرتعون مع الطلاح
والشاهد في البيت قوله : أن تهبطين ، فقد رفع الشاعر الفعل على اعتبار أنّ
( أن ) مخففة من الثقيلة ، وليست ( أن ) المصدرية .
ويجوز في ( أن ) المخففة من الثقيلة إعمالها بدون تقدير الضمير على نية التثقيل ، نحو : علمت أن محمداً قائم .
يعني : أنّ محمداً قائم ، ومنه قول جنوب ( عمرة ) أخت عمرو ذي الكلب الهزلية * :
بأنْك ربيع وغيث مريع وقد ما هناك تكون الثمالا
فخفف الشاعر ( أن ) وأنفذ عملها فنصب ضمير المخاطب المتصل بها ، ورفع خبرها وهو ( ربيع ) ومعنى الثمال : الغياث ، والمريع : الكثير المرعى(1) .
2 ـ ( أن ) التفسيرية : وهي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه ، وأن تتأخر عنها جملة ، وألا تقترن بحرف جر ، وعلامتها أن يحسن في موضعها ( أي ) ، نحو قوله تعالى ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا )(2) .
ونحو قوله تعالى ( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا )(3) .
وقوله تعالى ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً )(4) .
ـــــــــــــ
(1) أنظر الأزهرية في علم الحروف للهروي ص61 .
(2) ص [6] (3) المؤمنون [27] .
(4) النحل [67] .
* نسب الهروي البيت السابق لكعب بن زهير خطأ ، فهو غير موجود في ديوانه .
أنْ
وقد أنكر الكوفيون أن تكون ( أن ) مفسرة ، وذكر ابن هشام في المغني أنه يميل لما قال به الكوفيون لأنه لو جعلنا ( أي ) مكان ( أن ) لم يكن المعنى مقبولاً (1) .
كما أنه ليس في القرآن الكريم آية تتعين ( أن ) فيها أن تكون تفسيرية لا تحتمل غير ذلك وكذلك الحال بالنسبة لأمثلة النحويين وشواهدهم (2) .
4 ـ ( أن ) الزائدة :
( أ ) تزاد أن للتوكيد يعد لمّا الحينية ، نحو قوله تعالى ( فلما أن جاء البشير )(3) ، وقوله تعالى ( ولما أن جاءت رسلنا )(4) .
ومنه قول الشاعر * :
ولما أن تجهمني مرادي جريت مع الزمان كما أراد
ومنه قول الآخر :
فلما أن طغت سفهاء كعب فتحنا بيننا للحرب بابا
( ب ) تزاد بين فعل القسم المذكور و ( لو ) ، كقوله تعالى ( أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً )(5) ، على تقدير قسم محذوف ، أي أقسم أن لو يشاء الله .
ــــــــــــ
(1) المغني ج1 ص31 . (2) دراسات لأسلوب القرآن الكريم القسم الأول ج1 ص383 .
(3) يوسف [96] (4) العنكبوت [33] (5) الرعد [31] .
* أبو العلاء : هو أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي من أهل معرة النعمان – بلدة صغيرة بالشام بالقرب من حماة – صاحب التصانيف المشهورة ، والرسائل المأثورة ، وله من النظم لزوم ما لا يلزم ، وسقط الزند ، ولد بالسمرة سنة 363 هـ ، وجدر في السنة الثانية من عمره فعمي ، رحل إلى بغداد سنة 398 وأقام بها قليلاً ، ثم رجع إلى المعرة ولزم منزله وشرع في التصنيف ، فأخذ عنه الناس وسار إليه الطلبة ، وكاتبه العلماء والوزراء ، وسمى نفسه رهين المحبسين ، توفي سنة 449 هـ .
أنْ
ومنه قول المسيب بن علي :
فأقسم أن لو التقينا وأنتم لكان لكم يوم من الحشر مظلم
تنبيه : تأتي ( أن ) اسماً في موضعين وقد ذكر ذلك ابن هشام والمرادي .
1 ـ أما الموضع الأول في مثل قولك ( أن فعلت ) وهي بمعنى ( أنا ) ضمير المتكلم .
2 ـ ( أن ) في أنتَ وأنتِ وأخواتها بأنّ ( أن ) هي الضمير ، والتاء حرف خطاب (1) .
ولا يخفى علينا ما في هذا من تكلف ، وخروج عن المألوف .
نماذج من الإعراب
قال تعالى ( وأن تصوموا خير لكم ) .
وأن : الواو واو الحال . أن : حرف مصدري ونصب .
تصوموا : فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وواو الجماعة في محل رفع فاعله ، والألف للتفريق ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة أن المصدرية .
وأن والفعل المضارع بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ والتقدير صيامكم .
خير : خبر مرفوع بالضمة .
وجملة صيامكم خير لكم في محل نصب حال من كاف الخطاب والرابط الواو والضمير . لكم : جار ومجرور متعلقان بخير .
ــــــــــــ
(1) أنظر في ذلك مغني اللبيب ج1 ص27 ، والجنى الداني ص215 .
أنْ
قال تعالى ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) .
وآخر : الواو حسب ما قبلها ، آخر : مبتدأ مرفوع بالضمة ، وهو مضاف .
دعواهم : دعوى مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، ودعوى مضاف ، والضمير في محل جر مضاف إليه .
أن : مخففة من الثقيلة ، حرف توكيد ونصب مشبه بالفعل ، واسمه ضمير الشأن المحذوف مستتر فيه جوازاً تقديره ( أنه ) .
الحمد : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة .
لله : لفظ الجلالة مجرور بحرف الجر .
وشبه الجملة متعلق بمحذوف خبر في محل رفع .
وجملة الحمد لله في محل رفع خبر أن .
وجملة أن الحمد ... الخ في محل رفع خبر لآخر .
رب : لفظ الجلالة بدل من الله ، ورب مضاف .
العالمين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم .
إنْ
حرف يأتي لعدة أوجه :
1 ـ حرف شرط يجزم فعلين ، ويفيد تعليق الجواب بالشرط فقط ، نحو : إن تدرس تنجح ، ومنه قوله تعالى ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية )(1) .
وقوله تعالى ( إن تصبك حسنة تسؤهم )(2) .
ومنه قول الشاعر * :
إن تُبتدر غاية يوماً لمكرمة تلق السوابق منا والمصلينا
ويكثر مجيء ( ما ) الزائدة بعد ( إن ) فتدغم فيها النون ، نحو قوله تعالى
( وإمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله )(3) .
وقد تقترن ( إن ) الشرطية ( بلا ) النافية التي لا عمل لها فتدغم ( لا ) في نون ( إن ) ، نحو : إلاّ تحضر الامتحان ترسب .
ومنه قوله تعالى ( إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً )(4) .
وقوله تعالى ( إلا تنصروه فقد نصره الله )(5) .
وكما يلي ( إن ) فعل ظاهر ، يجوز أن يليها فعل مضمر يفسره ما بعده .
نحو قوله تعالى ( إن امرؤ هلك )(6) .
ــــــــــــ
(1) الشعراء [4] (2) التوبة [50] .
(3) الأعراف [199] (4) التوبة [39] .
(6) التوبة [40] (6) النساء [176] .
* المرقش الأكبر : هو عمرو بن سعيد ، وقيل عوف بن سعيد بن مالك ، ينتهي نسبه إلى بكر ابن وائل ، شاعر جاهلي على عهد المهلل بن ربيعة ، شهد مع المرقش الأصغر . حرب بكر وتغلب ، وكان من الفرسان المعدودين ، والمرقش الأصغر ابن أخيه ، كان المرقش الأكبر أحد المتيمين ، فقد أحب ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك ، لكن والدها زوجها غيره ، فأصابه حزن شديد مات على إثره .
إنْ
وقوله تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك )(1) .
2 ـ مخففة من ( إن ) الثقيلة ولك في عملها الخيار إذا دخلت على الأسماء فإن شئت رفعت ما بعدها على الابتداء ، وأبطلت عملها ، وهذا هو الرأي الأرجح ، وتلازم اللام الفارقة خبرها للتفريق بينها وبين ( إن ) النافية ، نحو : إن محمد لمجتهد .
ومنه قوله تعالى ( إن كل نفس لما عليها حافظ )(2) .
وقوله تعالى ( وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا )(3) .
وقوله تعالى ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون )(4) .
ومنه قول النابغة الذبياني :
وإن مالك للمرتجي إن تقعقعت رحى الحرب أو دارت عليّ خطوب
ومنه قول الآخر :
إن القوم والحي الذي أنا منهم لأهل مقامات وشاء وجامل
وإن نشئت نصبت بها على معنى التثقيل وهو قليل .
نحو : إن محمداً قائم .
ومنه قوله تعالى ( وإن كلاً لما لوفينهم ربك أعمالهم )(5) .
ولا تحتج العاملة إلى لام فارقة ، وإن وجدت اللام فهي للتوكيد .
ومنه قول الشاعر :
كليب إن الناس الذين عهدتهم بجمهور حزوى فالرياض لذي النخل
فنصب ( كلاً ) في الآية السابقة ، و ( الناس ) في البيت السابق على نية تثقيل ( إن ) .
ـــــــــــــ
(1) التوبة [6] (2) الطارق [4] (3) الزخرف [35] .
(4) يس [32] (5) هود [111] .
إنْ
أما إذا دخلت ( إن ) على الأفعال أُهمل عملها وجوباً ، وأكثر ما يليها فعل ماض ناسخ .
نحو قوله تعالى ( وإن كنت لمن الساخرين )(1) .
وقوله تعالى ( وإن كدت لتردين )(2) .
وقوله تعالى ( وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين )(3) .
وأقل منه أن يليها فعل مضارع ناسخ ، نحو قوله تعالى ( وإن نظنك لمن الكاذبين )(4) ، وقوله تعالى ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك )(5) .
والنوعان السابقان قياسيان ودونهما أن يليها فعل ماض غير ناسخ .
كقول عاتكة بنت زيد * :
شلت يمينك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد
3 ـ وتأتي ( إن ) نافية لا عمل لها متضمنة معنى ( ما ) النافية .
نحو : إن محمد إلا مجتهد ، ومنه قوله تعالى ( إن الكافرون إلا في غرور )(6) .
4 ـ وتأتي مشبهة ( بليس ) ، ترفع المبتدأ وتنصب الخبر ، وهذا مختلف فيه (7) .
ـــــــــــــ
(1) الزمر [56] (2) الصافات [56] (3) الأعراف [101] .
(4) الشعراء [186] (5) القلم [51] (6) الملك [20] .
(7) أنظر الجنى الداني ص209 .
* عاتكة بنت زيد : هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية كانت امرأة ذات جمال . وكمال ، وتمام في عقلها ، ومنظرها ، وجزالة رأيها ، تزوجت عبد الله بن أبي بكر ، ثم تزوجت من بعده عمر بن الخطاب ، فالزبير بن العوام ، فالحسين بن علي ، وقد ماتوا جميعاً قتلاً فكانت جميلة مشئومة .
إنْ
ومن شروط عملها ألا يتقدم خبرها على اسمها ، وألا ينتقض نفيها بإلا .
مثال عملها : إن زيد شاعراً ، وإن أحد خيراً من أحد .
ولم تقع ( إن ) النافية العاملة عمل ليس والداخلة على الجملة الاسمية إلا فيما جاء من قراءة سعيد بن جبير في قوله تعالى ( إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم )(1) بتخفيف ( إن ) ، وأعمالها عمل ليس ، وفي رأيي أنها من القراءات الشاذة لأن القراء السبعة المشهورين لم يعملوا بها ، ولم يخرجها على الوجه الذي قرأ به ابن جبير إلا أبو الفتوح بن جني في المحتسب(2)وقال عنه أي عن إعمال إن عمل ليس في تلك الآية ضعيف ، وقد أوردناه للاطلاع ليس غير . وقد أشار أبو حيان في البحر(3)إلى قراءة سعيد بن جبير السابقة وإعمال ( إن ) عمل ليس .
فالذين في محل رفع اسمها ، وعباداً خبرها منصوب ، وقد ضعفه النحاس أيضاً لوجوه ذكرها أبو حيان ، غير أن المفسرين يعملون بالوجه الذي قرأ به ابن جبير والله أعلم .
ومن شواهد ( إن ) العاملة عمل ليس في الشعر قول الشاعر * :
إن هو مستولياً على أحد إلا على أضعف المجانين
فهو في محل رفع اسم إن النافية ، ومستولياً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة .
5 ـ وتأتي ( إن ) زائدة وتكون زيادتها بعد الآتي :
( أ ) بعد ( ما ) الموصولة كقول جابر بن رالان ** :
ــــــــــــــ
(1) الأعراف [194] (2) أنظر المحتسب ج1 ص270 .
(3) أنظر البحر المحيط ج4 ص442 .
* الشاهد بلا نسبة في مصادره .
** الشاهد في بعض المصادر بلا نسبة ، وبعضها نسبه لجابر بن رالان ، ولم أقع له على ترجمة فيما لدي من مصادر على كثرتها وقد ذكرتها سابقاً .
إنْ
يرجى المرء ما إن لا يراه وتعرض دون أدناه الخطوب
( ب ) بعد ( ما ) المصدرية ، كقول معلوط بن بدل القريعي * :
ورج الفتى للخير ما إن رأيته على السن خيراً لا يزال يزيد
( ج ) بعد ( ما ) و ( لا ) النافيتين .
فأما ( ما ) فيبطل عملها إذا دخلت على الأسماء ، لأن الأصل إعمالها في لغة تميم كقول فروة بن مسيك ** :
مما إن طبّنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
ومنه قول النابغة الذبياني :
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي
ومثال زيادتها بعد ( لا ) النافية قول الآخر :
يا طائر البين لا إن زلت ذا وجل أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا
6 ـ تأتي ( إن ) وصلية أو معترضة ، ولا يكون لشرطها جواب ، ويراد بها تقرير المعنى السابق (1) .
ـــــــــــــ
(1) أنظر التذكر في قواعد اللغة ص370 .
* الشاهد لمعلوط بن بدل القريعي في بعض المصادر ولم أقع له على ترجمة أيضاً ، وفي بعضها بلا نسبة .
** فروة بن مسيك : هو فروة بن مسيك بن الحارث بن سلمة الغطيفي المرادي ، يلقب بأبي عمرو . صحابي من الولاة ، يمني الأصل ، موالياً لملوك كنده في الجاهلية ، رحل إلى مكة وافداً على النبي صلى الله عليه وسلم سنة 9 هـ ، وأسلم ونزل على سعد بن عبادة ، وتعلم القرآن والفرائض ، استعمله الرسول على مراد ومذحج وربيد ، وقاتل أهل الردة وبقي إلى خلافة عمر ، سكن الكوفة في أواخر أيامه ، وتوفي نحو 30 هـ ، كان شاعراً مجيداً .
إنْ
كقول الشاعر :
وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
7 ـ أن تكون بمعنى ( إذ ) ، نحو قوله تعالى ( وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين )(1) .
( فإن ) عند بعض المحققين والمفسرين بمعنى ( إذ ) والتقدير : إذ كنتم مؤمنين .
لأن الخطاب للمؤمنين ، ولو كانت ( إن ) في هذا الموضع شرطية لوجب أن يكون الخطاب لغير المؤمنين ، لأن الفعل الماضي في الجزاء معناه في المستقبل (2) .
ومنه قوله تعالى ( فالله أحق أن تخشوه إن كنت مؤمنين )(3) .
وقال بعض النحاة المتقدمين إنّ ( إن ) في المواضع السابقة شرطية على تقدير معنى قوله من كان مؤمناً ترك الربا ، ومن كان مؤمناً لم يخش إلا الله .
8 ـ وتكون ( إن ) بمعنى ( إما ) التفصيلية .
كقول النمر بن تولب * :
سقته الرواعد من صيّف وإن من خريف فلن يعدما
قال سيبويه : يريد وإما من خريف وحذف ( ما ) لضرورة الشعر .
ـــــــــــــ
(1) البقرة [278] (2) أنظر الهروي ص55 (3) التوبة [13] .
* النمر بن تولب : هو النمر بن تولب بن زهير بن أقيش العكلي ، شاعر مخضرم عمر طويلاً في الجاهلية وأدرك الإسلام ، كان من شعراء الربابة ، لم يمدح ، ولم يهجوا أحداً ، وكان من ذوي النعمة الوجاهة ، يشبه شعره شعر حاتم الطائي ، أسلم وهو كبير في السن ، ووفد على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحمله إلى قومه كتاباً يدعوهم فيه للإسلام ، توفي سنة 14 هـ .
إنْ
ومنه قول دريد بن الصمة * :
لقد كذبتك عينك فاكذبنها فإن جزعاً وإن إجمال صبر
أي : فإما جزعاً وإما إجمال صبر ، وقد أكد سيبويه على أن ( إن ) في هذا الموضع بمعنى ( إما ) أيضاً وليست للجزاء (1) .
نماذج من الإعراب
قال تعالى ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية ) .
إن : حرف شرط جازم لفعلين مبني على السكون لا محل له من الإعراب .
نشأ : فعل مضارع مجزوم بإن ، وعلامة جزمه السكون ، وهو فعل الشرط ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره نحن .
وجملة نشأ ابتدائية لا محل لها من الإعراب .
ننزل : فعل مضارع مجزوم بإن ، وعلامة جزمه السكون ، وهو جواب الشرط وجزاؤه ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره نحن .
وجملة جواب الشرط لا محل لها من الإعراب لعدم اقترانها بالفاء .
عليهم : جار ومجرور متعلقان بننزل .
من السماء : جار ومجرور متعلقان بننزل أيضاً .
آية : مفعول به منصوب بالفتحة .
ــــــــــــــ
(1) أنظر الكتاب لسيبويه ج1 ص266-267 تحقيق عبد السلام هارون .
* دريد بن الصمة : هو دريد بن الصمة بن الحارث بن معاوية ينتهي نسبه إلى بكر بن هوازن ، فارس مشهور وشاعر مذكور ، كان أطول الشعراء الفرسان غزواً وأبعدهم أثراً وأكثرهم ظفراً وأيمنهم نقيبة عند العرب ، وهو أشعرهم ، وفارس بني جشم وسيدهم ، أدرك الإسلام فلم يسلم ، خرج يوم حنين مظاهر للمشركين وقتل يومها على شركه .
إنْ
قال تعالى ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) .
إن : نافية لا عمل لها بمعنى ما ، وقد تكون مخففة من الثقيلة لا عمل لها أيضاً .
كل : مبتدأ مرفوع بالضمة ، وكل مضاف .
نفس : مضاف إليه مجرور بالكسرة .
لما : حرف بمعنى ( إلا ) لا عمل له .
عليها : جار ومجرور متعلقان بحافظ .
حافظ : خبر ، وتقدير الكلام إن كل نفس إلا عليها حافظ .
هذا في قراءة من قرأ ( لما ) بالتشديد ، وإذا قرأت بالتخفيف فما صلة ، والتقدير إن كل نفس لعليها حافظ (1) .
قال تعالى ( إن الكافرون إلا في غرور ) .
إن : نافية لا عمل لها متضمنة معنى ( ما ) النافية .
الكافرون : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم .
إلا : حرف استثناء ملغي ( أداة حصر ) .
في غرور : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ .
" إن أحد خيراً من أحد " .
إن : حرف نفي يعمل عمل ليس .
أحد : اسم إن مرفوع بالضمة .
خيراً : خبر إن منصوب بالفتحة .
من أحد : جار ومجرور متعلقان بخير .
ــــــــــــــ
(1) أنظر إعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه ص 42 .
إنْ
قال الشاعر :
ورج الفتى للخير ما إن رأيته على السن خيراً لا يزال يزيد
ورج : الواو حسب ما قبلها ، رج : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت .
الفتى : مفعول به .
للخير : جار ومجرور متعلقان برج .
ما : مصدرية ظرفية .
إن : حرف زائد بعد ما الظرفية المصدرية .
رأيته : فعل وفاعل ومفعول به .
على السن : جار ومجرور متعلقان بقوله يزيد الآتي .
خيراً : مفعول به مقدم ليزيد .
لا : حرف نفي لا عمل له .
يزال : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو يعود على الفتى .
يزيد : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو يعود على اسم لا يزال ، والجملة من الفعل وفاعله في محل نصب خبر يزال .
إنَّ
1 ـ حرف مشبه بالفعل مؤكد للجملة ناصب للاسم ورافع للخبر .
نحو : إنّ العمل مفيد .
ومنه قوله تعالى ( وإن ربك لذو مغفرة للناس )(1) .
وقوله تعالى ( إن الساعة آتية لا ريب فيها )(2) .
ومنه قول الشاعرة الخنساء :
إن الزمان وما يغنى له عجب أبقى لنا ذنباً واستؤصل الرأسُ
وإذا دخلت عليها ( ما ) الزائدة كفتها عن العمل .
كقوله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة )(3) .
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " .
و ( ما ) في هذا الموضع تسمى الكافة والمكفوفة ، وتفيد الحصر .
2 ـ حرف جواب بمعنى ( نعم ) .
كقول الشاعر * :
ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
أي : نعم .
ـــــــــــــــ
(1) الرعد [6] (2) الحج [7] (3) الحجرات [10] .
* ابن قيس الرقيان : هو عبد الله بن قيس بن شريح بن مالك من بني عامر بن لؤي شاعر قريش في العصر الأموي ، كان مقيماً في المدينة ، وخرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان ، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل الزبيريين أقام فيها قليلاً ثم قصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فأمنه عند عبد الملك ، فأقام إلى أن توفي سنة 85 هـ ، أكثر شعره الغزل والنسيب ، وسمي بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة كل واحدة منهن تدعى رقية .
إنّ
وفي ذلك خلاف بين النحويين ، على اعتبار أن الضمير في ( إن ) هو اسمها وخبرها محذوف . أما الفريق القائل بأنها بمعنى نعم فقد استدل بقول عبد الله بن الزبير مجيباً لمن قال : لعن الله ناقة حملتني إليك : " إنّ وراكبها " .
أي : نعم ولعن راكبها .
3 ـ تأتي ( إنّ ) فعل أمر متصل بنون التوكيد الثقيلة (1) .
نماذج من الإعراب
قال تعالى ( إنّ الساعة آتية لا ريب فيها ) .
إنّ : حرف توكيد ونصب مشبه بالفعل لا محل له من الإعراب .
الساعة : اسم إن منصوب بالفتحة .
آتية : خبر إن مرفوع بالضمة .
والجملة لا محل لها من الإعراب ابتدائية .
لا : نافية للجنس حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب .
ريب : اسم لا مبني على الفتح في محل نصب .
فيها : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لا في محل رفع .
قال تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) .
إنما : كافة ومكفوفة " أدلة حصر " لا عمل لها .
المؤمنون : مبتدأ مرفوع بالواو .
إخوة : خبر مرفوع بالضمة .
ــــــــــــــ
(1) راجع ص14 .
إنّ أنَّ
قال الشاعر :
ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
ويقلن : الواو حسب ما قبلها ، يقلن : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، والنون ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل .
شيب : مبتدأ مرفوع بالضمة .
قد علاك : قد حرف تحقيق ، علا : فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو يعود على الشيب ، والكاف في محل نصب مفعول به .
وجملة قد علاك في محل رفع خبر .
وجملة شيب قد علاك في محل نصب مقول القول .
وقد كبرت : الواو للحال ، قد حرف تحقيق , كبرت فعل وفاعل ، والجملة في محل نصب حال .
فقلت : الفاء للسببية حرف مبني لا محل له من الإعراب ، قلت : فعل وفاعل .
إنه : إن حرف مبني على الفتح بمعنى ( نعم ) ، والهاء للسكت حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب .
أنّ
حرف مشبه بالفعل مؤكد للجملة ناصب للاسم ورافع للخبر .
كقوله تعالى ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنات )(1) .
ـــــــــــــــ
(1) البقرة [25] .
أنّ
وقوله تعالى ( ليعلمون أنه الحق من ربهم )(1) .
ومنه قول الشاعر :
على أنني راض بأن أحمل الهوى وأخرج منه لا عليّ ولا ليا
وأن واسمها وخبرها تكون بتأويل مصدر يعرب بحسب موقعه من الكلام ففي البيت السابق في محل جر .
وإذا دخلت ( ما ) الزائدة على ( أن ) كفتها عن العمل .
ومنه هذه الآية التي اجتمع فيها ( إنما ) و ( أنما ) ، قال تعالى ( قل إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد )(2) .
2 ـ تأتي ( أن ) فعلاً ماضياً من الأنين (3) ، ومضارعه يئن ، وأمره إن .
نحو : أن الطفل كريم ، وأن المريض أنيناً .
نماذج من الإعراب
قال تعالى ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنات ) .
وبشر : الواو حرف عطف ، بشر فعل أمر مبني على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت ، يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم .
الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به .
ـــــــــــــ
(1) البقرة [144] (2) الأنبياء [108] .
(3) أنظر كتاب معاني الحروف للروماني ص 112 .
أنّ
آمنوا : فعل ماض مبني على لاتصاله بواو الجماعة ، وواو الجماعة في محل رفع فاعل ، والألف للتفريق .
والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
وعملوا : الواو حرف عطف ، عملوا : فعل وفاعل .
الصالحات : مفعول به منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة ، لأنه جمع مؤنث سالم ، والجملة معطوفة على جملة الصلة لا محل لها من الإعراب .
أن : حرف توكيد ونصب مشبه بالفعل .
لهم : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر أن مقدم .
جنات : اسم أن منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة .
وأن وخبرها واسمها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به لبشر ، والجملة الفعلية وبشر .. الخ معطوفة على جملة اتقوا في الآية السابقة .
" أن الطفل كريم (1) " .
أن : فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب .
الطفل : فاعل مرفوع بالضمة .
كريم : الكاف حرف تشبيه وجر ، ريم اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل .
ــــــــــــــ
(1) ريم – غزال .
أنا
ضمير رفع منفصل للمتكلم ، ويقع في محل رفع مبتدأ غالباً .
كقوله تعالى ( أنا أكثر منك مالاً )(1) .
وقوله تعالى ( أنا لكم ناصح أمين )(2) .
ومنه قول الشاعر عنترة :
أنا في الحرب العوان غير المجهول المكان
ومنه قول المتنبي :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
أو في حل رفع فاعل .
نحو : ما فاز في المسابقة إلا أنا .
أو في محل رفع نائب فاعل .
نحو : لم يستدعى إلا أنا .
أو في محل رفع اسم كان .
نحو : لم يكن في المنزل إلا أنا .
أو معطوف على ما قبله .
نحو : تقدم أخي وأنا .
أو توكيد ، نحو : عاقبته أنا .
أو بدل ، نحو : ما تأخر إلا طالبان أنا ومحمد .
ــــــــــــ
(1) الكهف [34] (2) الأعراف [68] .
أنّى
( 1 ) أ ـ اسم شرط لربط الجواب بمكان واحد ، يجزم فعلين .
نحو : أنى تدع الله تره سميعاً .
ومنه قوله تعالى ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )(1) .
قال أبو حيان في البحر :
لا يجوز أن تكون استفهاماً ، لأنها إذا كانت استفهاماً اكتفت بما بعدها من فعل كقوله تعالى ( أنى يكون لي ولد ) ، أو من اسم كقوله تعالى ( أنى لك هذا ) ، ولا تفتقر إلى غير ذلك . وهنا يظهر افتقارها وتعلقها بما قبلها .. والذي يظهر لي والله أعلم ، أنها تكون شرطاً لافتقارها إلى جملة غير الجملة التي بعداها .. فلا يجوز هاهنا أن تكو استفهاماً ، وإنما لحظ فيها معنى الشرط وارتباط الجملة بالأخرى ، وجواب الجملة محذوف ، ويدل عليه ما قبله ، وتقديره : أنى شئتم فأتوه ... كما حذف جواب الشرط في قولك : اضرب زيداً أنى لقيته . والفعل في الآية : أنى شئتم يحتمل وجهين من الإعراب ، ( فشئتم ) يجوز في الرفع على اعتبار ( أنى ) حالية بمعنى ( كيف ) ، كما يجوز فيها الجزم على اعتبارها ظرفية ، هذا الوجه المرجح وغاية ما في ذلك تشبيه الأحوال بالظروف وبينهما علاقة واضحة ، إذ كل منهما على معنى ( في ) ، بخلاف كيف فإنه لم يستقر فيها الجزم (2) .
ـــــــــــــ
(1) البقرة [223] .
(2) أنظر البحر المحيط لأبي حيان ج2 ص171 .
أنى
ومنه قول لبيد :
فأصبحت أنى تأتها تلتبس بها كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
ب ـ اسم شرط لربط الجواب والشرط بزمان واحد جازم لفعلين .
نحو : أنى تعمل تبلغ ما تتمنى .
( 2 ) اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ظرف مكان بمعنى ( من
أين ) كقوله تعالى ( أنى لك هذا )(1) ، ومنه قوله تعالى ( قال رب أنى يكون لي غلام )(2) ، وقوله تعالى ( أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة )(3) .
وتأتي بمعنى ( كيف ) ، كقوله تعالى ( سيقولون لله قل فأنى تسحرون )(4) ، وقوله تعالى ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها )(5) .
ولا يخفى علينا أن كثيراً من الآيات السابقة يستوي فيها معنى الكيفية و ( من أين ) وذلك حسب ما يقتضيه معنى الآية ، وما يطمئن له المفسر ويكون قريباً من المنطق والحق ولا يخرج عن نطاق المضمون الصحيح لمعنى الآية .
ـــــــــــــ
(1) آل عمران [37] (2) آل عمران [40] .
(3) الأنعام [101] (4) المؤمنون [89] .
(5) البقرة [259] .
أنى
نماذج من الإعراب
قال تعالى ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) .
نساؤكم : نساء مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة ، ونساء مضاف ، والكاف في محل جر مضاف إليه .
حرث : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة .
لكم : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لحرث ، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها من الإعراب .
فأتوا : الفاء هي الفصيحة ، لأنها أفصحت عن شرط مقدر ، حرف مبني لا محل له ، وقيل استئنافية ، أتوا : فعل أمر مبني على حذف النون ، والواو فاعل .
حرثكم : حرث مفعول به ، وهو مضاف ، والكاف في محل جر مضاف إليه .
أنى : قيل فيها (1) إنها اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب حال بمعنى كيف تقدم على فاعله ، وقيل إنها في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل بعده ، وقيل إنها ظرف مكان متعلق بالفعل أتوا أيضاً ، وجملة شئتم في محل جر بالإضافة وقيل إنها اسم شرط حذف جوابه كما ذكر أبو حيان في البحر المحيط وأشرنا إليه سابقاً ، والتقدير : أنى شئتم فأتوه .
شئتم : فعل وفاعل ، وجملة شئتم على الوجه الأول في محل جر بإضافة أنى إليها وفي محل جزم على اعتبار أن ( أنى ) اسم شرط فتدبر ذلك ، والوجه الأول أفضل للابتعاد عن التكلف .
ــــــــــــــ
(1) أنظر العكبري ج 1 ص 94 ، وانظر تفسير القرآن الكريم وإعرابه للشيخ محمد طه الدرة م1 ج 1 ص 350 ، وانظر البحر المحيط لأبي حيان ج 2 ص 171 ، وانظر إعراب القرآن الكريم وبيانه لمحيي الدين الدرويش ج 1 ص 332 ، وانظر إعراب القرآن الكريم للنحاس ج 1 ص 311 .
أنى
قال الشاعر :
فأصبحت أنى تأتها تلتبس بها كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
فأصبحت : الفاء للسببية حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ، أصبح فعل ماض ناقص والتاء في محل رفع اسمها .
أنى : اسم شرط جازم لفعلين مبني على السكون في محل نصب ظرف مكان متعلق بالجواب ، وهو مضاف .
تأتها : فعل مضارع مجزوم ، وهو فعل الشرط ، وعلامة جزمه حذف حرف
العلة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت ، والهاء في محل نصب مفعول به ، والجملة في محل جر مضاف إليه .
تلتبس : فعل مضارع مجزوم ، وهو جواب الشرط وجزاؤه ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت .
وجملة جواب الشرط لا محل لها من الإعراب لعدم اقترانها بالفاء .
بها : جار ومجرور متعلقان بتلتبس .
وجملة الشرط في محل نصب خبر أصبح .
كلا : مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ، وهو مضاف .
مركبيها : مركبي مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى ، وهو مضاف ، والهاء في محل جر مضاف إليه .
تحت : ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بشاجر ، وتحت مضاف .
رجليك : رجلي مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى ، ورجلي مضاف ، والكاف في محل جر مضاف إليه .
شاجر : خبر مرفوع بالضمة .
أنى آناً
قال تعالى ( قال رب أنى يكون لي غلام ) .
قال : فعل ماض مبني على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو يعود على زكريا .
رب : منادى بحرف نداء محذوف منصوب بالفتحة ، ورب مضاف ، وياء المتكلم المحذوفة في محل جر مضاف إليه .
أنى : اسم استفهام في محل نصب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر يكون ، إذا اعتبرنا يكون فعلاً ناقصاً ، أو متعلق بيكون على اعتبار أنه فعل تام ، ويجوز في ( أنى ) أن يكون اسم استفهام بمعنى كيف مبني على السكون في محل نصب حال من غلام والعامل فيه الفعل يكون . وقد بينا احتمالات مجيء ( أنى ) بمعنى ( من أين ) أو ( كيف ) وذلك حسب دلالة المعنى ، فيصح أن نقول : من أين يكون لي غلام ، أو كيف يكون لي غلام ، فلا غضاضة في ذلك .
يكون : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، يجوز فيه النقصان والتمام .
لي : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكون الناقصة ، أو بمحذوف حال من غلام .
غلام : إما اسم يكون أو فاعلها ، وفي كلا الحالتين مرفوع بالضمة الظاهرة ، وجملة رب أنى ... الخ في محل نصب مقول القول ، وجملة قال رب ... الخ استئنافية لا محل لها من الإعراب .
آناً
ظرف زمان منصوب بالفتحة ، ولا يضاف لأنه منون .
نحو : أقمت في جدة آناً من الدهر .
آناء آنئذ أنبأ
آناء
ظرف زمان منصوب بالفتحة ، ويضاف إلى المفرد ( ما ليس بجملة ولا شبه جملة ) ، نحو : سأعودك آناء النهار .
ومنه قوله تعالى ( يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) (1) .
ومنه قوله تعالى ( ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ) (2) .
آنئذ
لفظ مركب من ( آن ) و ( إذ ) .
نحو : زرتك وكنت آنئذ في عملك .
وتعرب : آن ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بالفعل ، وهو مضاف ، و ( إذ ) ظرف زمان مبني على السكون في محل جر مضاف إليه ، والتنوين في ( إذ ) تنوين عوض ناب عن الجملة المحذوفة ، والتقدير : وكنت آن إذ زرتك في عملك .
أنبأ
من الأفعال التي تتعدى لثلاثة مفاعيل ، أصل الأول اسم ظاهر ، أو ضمير ، والثاني والثالث أصلهما المبتدأ والخبر .
نحو : أنبأت محمداً أخاه قادماً .
ـــــــــــــــ
(1) آل عمران [113] (2) طه [130] .
أنبأ انبرى أنت
ومنه قول الأعشى قيس :
وأنبئت قيساً ولم أبله كما زعموا خير أهل اليمن
فأنبئت : فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء في محل رفع نائب فاعل ، وهو المفعول الأول .
قيساً : مفعول به ثان منصوب بالفتحة .
خير : مفعول به ثالث منصوب بالفتحة .
وقد تسد أن واسمها وخبرها مسد المفعولين الثاني والثالث ، نحو : أنبأت والدك أن أخاك قادم .
أنبأت : فعل وفاعل . والدك : مفعول أول ، والكاف في محل جر مضاف إليه .
أن : حرف توكيد ونصب مشبه بالفعل ، وأخاك : اسمها منصوب بالألف ، لأنه من الأسماء الستة والكاف في محل جر مضاف إليه .
قادم : خبرها مرفوع بالضمة ، والمصدر المؤول من أن ومعمولها سد مسد المفعول به الثاني والثالث .
انبرى
يأتي فعلاً ماضياً ناقصاً من أفعال الشروع بمعنى ( شرع ) يرفع المبتدأ وينصب الخبر ، بشرط أن يكون جملة فعلية مضارعة غير مقترنة ( بأن ) .
نحو : انبرى المهندس يخطط البناء .
وتأتي فعلاً تاماً لازماً بمعنى ( برى ) ، نحو : انبرى القلم .
أو بمعنى ( اعترض ) ، نحو : انبرى العلماء للجهل .
أنت
أنتَ : ضمير رفع منفصل مبني على الفتح يختص بالمخاطب ، ومثناه أنتما ، وجمعه أنتم للمذكر .
أنت أنشأ آنفاً
نحو : أنتَ ومالك لأبيك .
ومنه قوله تعالى ( فاقض ما أنتَ قاض )(1) وقوله تعالى ( وأنتَ حل بهذا
البلد )(2) .
ونحو : أنتما مهذبان ، وقوله تعالى ( وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون )(3).
وأنتِ : ضمير رفع منفصل مبني على الكسر يختص بالمخاطبة ، ومثناه
أنتما ، وجمعه أنتن .
نحو : أنتِ تخلصين في عملك ، أنتما تخلصان في عملكما ، أنتن تخلصن في عملكن .
أنشأ
يأتي فعلاً ماضياً ناقصاً بمعنى ( شرع ) ، نحو : أنشأ العمال يبنون المسجد .
ويأتي فعلاً تاماً بمعنى ( أحدث ) أو ( بنى ) أو ما في معناها .
نحو : أنشأت الحكومة المدارس في أنحاء البلاد .
آنفاً
ظرف زمان منصوب بالفتحة ، نحو : ذكرت آنفاً .
ويأتي اسماً يعرب حسب موقعه من الجملة .
نحو : ونستخلص من الحديث الآنف الذكر كذا وكذا .
ـــــــــــــ
(1) طه [72] (2) البلد [2] .
(3) آل عمران [123] .
انفك انقلب إنما
انفك
يأتي فعلاً ناقصاً يعمل عمل كان بشرط أن يسبق بنفي أو نهي أو دعاء .
نحو : ما انفك الطالب يذاكر دروسه ، وما انفكت السماء ماطرة .
وهو من الأفعال الناقصة التصرف ، إذ لا يأتي منه إلا الماضي والمضارع واسم الفاعل ، ولا يأتي منه أمر ولا مصدر .
ويأتي تاماً بمعنى ( انفصل ) أو ( انحل ) ، نحو : انفكت العقدة .
انقلب
يأتي ناقصاً إذا كان بمعنى ( صار ) .
نحو : انقلب الأليف مفترساً ، ونحو : انقلب القماش ثوباً .
ويأتي تاماً إذا كان بمعنى ( ارتد ) ، نحو : انقلب الأمر رأساً على عقب ، ومنه قوله تعالى ( وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه )(1) .
إنما
لفظ مركب من ( إن ) المشبهة بالفعل و ( ما ) الزائدة الكافة عن العمل ، وعليه أبطل عمل ( إن ) ، وألغى اختصاصها في الدخول على الجملة الاسمية , وأصبحت صالحة للدخول على الاسمية والفعلية على حد سواء ، وتسمى ( إنما ) أداة حصر لا عمل لها .
ـــــــــــــــ
(1) الحج [11] .
إنما أنما
مثال دخولها على الجملة الاسمية قوله تعالى ( فذكر إنما أنت مذكر )(1) ، وقوله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة )(2) .
ومثال دخولها على الجملة الفعلية قوله تعالى ( إنما يتذكر أولوا الألباب )(3) .
ومنه قول كثير :
أراني ولا كفران لله إنما أواخي من الأقوام كل بخيل
أنما
لفظ مركب من ( أن ) المشبه بالفعل المفتوحة الهمزة و ( ما ) الزائدة الكافة عن العمل .
نحو قوله تعالى ( يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد )(4) .
تنبيه : إذا دخلت ( ما ) الموصولة على ( إن ) أو ( أن ) فلا تكفها عن العمل ولا تركب معها في كلمة واحدة ، كما هو الحال مع ( ما ) الزائدة .
نحو : إن ما تقله حقيقة واقعة .
ويجوز أن يكون منه قوله تعالى ( إن ما توعدون لآت )(5) إذا اعتبرنا ( ما ) موصولة لا مصدرية .
ومثال ( أن ) و ( ما ) الموصولة قولنا : يوحى إليّ أن ما فعلته كان صواباً .
ـــــــــــــ
(1) الغاشية [21] (2) الحجرات [10] .
(3) الزمر [9] (4) فصلت [5] .
(5) الأنعام [134] .
أنما إنه آه
ومنه قوله تعالى رغم اتصال ( أن ) بما ( لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا )(1) .
إنه
تأتي مركبة من ( إن ) المشبهة بالفعل و ( هاء ) السكت ، وتأتي مركبة من
( إن ) التي هي حرف جواب بمعنى ( أجل ) مبني على السكون لا محل له من الإعراب و ( هاء ) السكت حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب .
نحو : هل وصل أخوك ، فتقول : إنه ، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
والشاهد في البيت قوله ( إنه ) فيصح أن نعتبر ( إن ) حرف توكيد ونصب والهاء ضمير متصل في محل نصب اسم إن وسكن لأجل الوقف ، ولكن هذا الوجه مرجوح لأن الهاء لو كانت ضميراً لثبتت في الوصل كما تثبت في الوقف وليس الأمر كذلك ، إنما تقول في الوصل إن يا فتى بحذف الهاء (2) ، ويصح أيضاً أن نعتبر ( إن ) حرف جواب بمعنى أجل ( والهاء ) للسكت حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، وهو موضع الشاهد في البيت .