كان لإيمان المصريين القدماء فى الحياة الثانية بعد الموت الأثر الكبير فى التفكير فى كيفية حفظ الجسد بعد الموت، حيث لا حياة بدون جسد، خاصة بعد ملاحظتهم تلف الجسد بعد الوفاة (وذلك بفعل البكتريا والميكروبات لوجود الماء بالجسد بنسبة 66% كما إفاد بذلك العلم الحديث بتحديد نسبة الماء بالجسد وبعد اختراع الميكروسكوب ورؤية البكتريا والجراثيم والميكروبات بهذه الوسيلة).
ولما كان المصرى القديم ليس لديه الإمكانيات ولا الوسائل التى تساعده على معرفة تلك الحقائق، الإ إنه لاحظ عند دفن الجسد فى الرمال الجافة بالصحراء المصرية بعيدًا عن أرض وداى النيل الرطب، ان الجسد يجف طبيعيًا بفعل حرارة الصحراء وجفافها، فبدأ فى اختيار الأماكن الجافة، مثل: الصحراء برمالها للحفاظ على هذا الجسد الذى يحتفظ به جفافه بالشكل الخارجى للجسد والوجه بدرجة كبيرة وبدأ فى حفر حُفر بيضاوية الشكل فى الرمال مباشرة ليضع بها الجسد بعد الوفاة، ثم تطورت هذه الحفرة خاصة للطبقات العليا من المجتمع المصرى وخاصة الملوك إلى حجرة واسعة إلى حد ما ويوضع بها صندوق من الخشب يوضع الجسد تكريمًا لشخص هذا الإنسان ثم تطورت ليكون مزدوج أو ثلاثيًا ثم صندوق من الحجر بداخله توابيت من الخشب والذهب.
ولا نعلم تحديدًا متى بدأ المصريين القدماء تحنيط أجساد الأموات صناعيًا وعلى الأرجح من أيام العصر العتيق حوالى3 ثلاثة الآف قبل الميلاد وقد بلغ التحنيط تقدمه فى الأسرة الثالثة أى بداية عصر الدولة القديمة حوالى 2700 ق.م. ومن أهم الأمثلة للأجزاء المحنطة من صندوق أحشاء الملكة (حتب حرس) أم الملك خوفو والمحفوظة الآن بالمتحف المصرى، والتى تضم الكبد والأمعاء والمعدة والرئتين والتى عثر عليها فى حجرة الدفن الخاصة بها بمقبرتها بمنطقة الجيزة ولم يعثر حتى الآن على وثائق مسجلة لنا طريقة ومراحل التحنيط خلال العصور الفرعونية. ولكن توجد بعض الوصفات فى كثير من الوثائق من العصر اليونانى الرومانى ولكن ما جاء فى كتاب المؤرخ الإغريقى (هيرودوت )كان الوصف الأدق، وقد تعود هذه الوثائق إلى القرن الخامس قبل الميلاد.
وكما وصف هيرودت فى كتابه " إذا مات مصرى حمله أقاربه إلى المحنطين الذين يعرضون عليهم ثلاثة نماذج خشبية مكتوب عليها ثلاثة أنواع من التحنيط، الأولى غالية والثانية أقل تكلفة والثالثة رخيصة. فإذا اتفقا الطرفان يتم تسليم الجثة للمحنطين.
وتبدأ عملية التحنيط المثلى بإخراج المخ من الجمجمة بآلة معدنية لها طرف ملتوى، ثم يشق الجانب الأيسر للجثة لإخراج الأحشاء كلها، ويتم غسلها من الداخل (أى الجثة) بنبيذ البلح مع إضافة روائح عطرة ثم تملأ بالمر ومواد أخرى ثم توضع الجثة بإكملها فى ملح النطرون لمدة سبعين يومًا ثم ينفض عنها الملح جيدًا ثم يدهن الجسد من الداخل والخارج بمواد مخلطة مكونة من البصل وعرق البلح وعسل النحل والحناء والزيوت العطرية مع لفها بلفائف الكتان المغموسة فى مواد لاصقة. وكانت أصابع اليدين والقدمين تلف بلفائف رقيقة من الكتان ثم تلف القدمين واليدين بلفائف الكتان، ثم تضم القدمين معًا ويلف حولهما الكتان أما اليدان فمتقاطعتان وأما مربوطة بالذراع كل على جانب ثم تلف المومياء كاملاً بكفن يصل طوله فى بعض الأحيان إلى مئات الأمتار، ثم تلف الجثة أو المومياء بأشرطة من الكتان السميك بإتجاهات متقاطعة مثل الشبكة. أما المناطق المنزوعة من المومياء مثل الرأس مكان المخ والجسم مكان الأحشاء فكان يملأ بمادة ضمغية مستخرجة من خشب الأرز داخل لفائف كتانية. وكان فى بعض الأحيان يوضع فى تجويف العينين عيون حجرية مطعمة من الرخام الأبيض يمثل بياض العين، والأبسوديون الأسود يمثل حدقة العين كما فى مومياء بعض الملكات، وأحيانًا كان يتم وضع بعض البروكات من صوف الخروف حتى يتم تزيين مومياوات الملكات.
وفى بعض الأحيان توضع جعارين مكان القلب ويتم وضع بعض التمائم الذهبية السحرية لضمان الحماية من أخطار الرحلة فى العالم السفلى.
أما المستويات الأخرى للتحنيط فكانت تختلف حسب الإمكانيات المادية، حيث إن تكاليف التحنيط غالية فكان أبسط أنواع التحنيط هو ملء الجثة من الداخل بمواد تعمل على تحليل الأحشاء وإخراجها على هيئة مواد مذابة، ويكتفى بالحفاظ على الشكل الخارجى للمومياء مع لفها بلفائف الكتان بعد دهانها بالمواد الصمغية لحفظها من التلف. أما بالنسبة للبسطاء من الناس، مثل: الخدم، أو الفقراء فكان لديهم ما يكفى للتحنيط، فكانت الجثة توضع مباشرة فى رمال الصحراء الجافة الحارة التى تعمل على تجفيف الجثة دون اضافة اية مواد وتبقى فى الرمال محتفظة نوعًا ما بالشكل الخارجى ما لم تتعرض للتلف من عوامل التعرية أو النبش من الحيوانات الصحراوية، وأن كان 99% منها تتحول إلى هياكل عظمية.
عودة الروح (البا) إلى الجسد (خت)
وعند تسليم المومياء يفتح المحنطون مكان حفظ المومياءلأهل المتوفى ويفرون من أمامهم حيث يتبعهم اللعنات والحجارة التى يقذفها أهل المتوفى.
وكان القائمون على عملية التحنيط طبقة منعزلة عن المجتمع المصرى ومنغلقة على نفسها لتشائم المصريين منهم، وكانوا يقسمون أنفسهم (المحنطين) إلى طبقات ومنازل وتبدأ من أسفل (بالمحنط العادى)، وكان يسمى "أوت" باللغة المصرية القديمة ثم يليها الأعلى (المحنط صاحب الخاتم) وهو الذى يقوم بوضع ختم انتهاء عملية التحنيط قبل لف المومياء باللفائف الكتانية، ثم يليها (الكاهن) ثم المحنط الرئيس (العارف) بأسرار التحنيط، وهو رئيس فريق التحنيط كله، ثم المحنط (الكاهن المرتل)، وهو الذى يقوم بترتيل الصلوات المعينة فى كل مرحلة من مراحل التحنيط وهو من أهم أفراد عملية التحنيط.
وظلت عملية التحنيط للمومياوات حتى دخول المسحية إلى مصر، واقتصر الأمر على الصلوات على المتوفى ووضعه فى أحسن ملابسه داخل التابوت لوضعه فى قبره.
الحضارة المصرية آمنت بالحياة بعد الموت. كان ذلك نتيجة مراقبتهم لمناخ مصر, و نهر النيل يفيض كل عام ويعيد الحياة للأرض الجافة مجدداً، كما شاهدوا شروق الشمس في الصباح ومغيبها في المساء كأنها تموت وتعود للحياة. المصريون القدماء كانوا مولعين بحياة أسموها حياة الجنة الأبدية وأسمى ما يتوقون إليه هو العودة للعالم السفلي عالم أوسيريس إله الموت.
كما اقتنعوا بأن الإنسان مشكل من عدة عناصر كما كان هناك اتصال مباشر بين حماية هذه العناصر وهيكل الموت. هذه العناصر هي:
1- هيكل الجسد هيت (خيت)
2- الروح ب(با) تمثل بطائر له رأس الموت.
3- ك(كا) مضاعفة إنها تشبه الموت.
4- القلب إيب(أي-ب) وهو مصدر الخير والشر.
5- الاسم (رن) اسم الموت.
6- الظل (شوت) وهو يرافق الجسد والروح.
7- النفس أو الروح الحسنة (أخ).
وفقاً للمعتقدات المصرية القديمة أهم عنصر هو الجسد والطريقة المثلى لحفظه هو بتحنيطه. قبل تحنيط الجسم كانوا يتبعون مهارة ومعرفة للناس عبر الأزمنة التاريخية لوضع قواعد علومهم التطبيقية لحفظ الجسد وذلك عبر ملايين السنين. كان يقوم بعملية التحنيط الكهنة والأطباء أو الفيزيائيين في أماكن خاصة وفقاً للطقوس الدينية الجوهرية الخاصة بالدفن.
كان يوجد عدة طرق للدفن وذلك بحسب منزلة الشخص وغناه، في البداية كان الأمر محصوراً بالفراعنة وموظفي الدولة الكبار ولكن بعد ذلك نشر الأمر على الرعية. كان المجتمع المصري القديم مؤلفاً من أربع طبقات:
1- الملك والملكة.
2- طبقة النبلاء و من في المنزلة الملكية.
3- طبقة الجنود(نفر) من الناس.
4- طبقة الناس الفقراء.
الطريقة التي كان يحنط بها الملك والملكة:
1- كانوا يبدؤون بتفريغ الصدر وذلك من جرح في الخاصرة اليسرى يجرح بحجر صوان.
الأحشاء كانت تغسل بخمر النخيل. وبعد ذلك تحشى بشجر المر والبصل ومواد أخرى.
كانوا يستعملون النترون للتجفيف وكانت الأحشاء توضع في أوعية خاصة.
كانوا أربعة أوعية لحفظ الكبد والرئتين والمعدة والأمعاء، بعد أن حفظت الأعضاء كانوا يلفون الجسم بلفافات كتانية التي كانت تحوي النترون الجاف لتسرع تجفيف الجسم وكانت الأربطة الكتانية تجدد عدة مرات. بعد أن يزال النترون عن الجسم، كان يغطى بزيوت عطرية، وخمر النخيل.
وبعد ذلك يعبأ بمادة صمغية وشجر المر والقرفة والزيوت العطرية والبصل ومواد أخرى. المومياء كانت تغطى بمادة صمغية ذائبة والمفتوح كان يخيط إلا القلب فكان يترك في وضعه الطبيعي.
2- الدماغ كان يفرغ من الأنف بواسطة خطاف من النحاس أو البرونز-الذي كان يثقب قاعدة الجمجمة- وكان يسهل نزول الدماغ بجرشه. الجمجمة كانت تفتح بشق من الرقبة ....
الجسم كان يمدد على طاولة التحنيط التي صنعت من الحجارة بشكل منحني وكان الجسم كله يغطى بالنترون. المراحل نفسها كانت تتم بالنسبة للرأس كانت تملأ أماكن العيون والآذان وثقوب الأنف باستعمال شمع النحل. أحياناً كان يغطى سطح الجسم بطبقة من الذهب و الأميوليت (أدجات) العين المقدسة.
3- الجسم كان يضمد بعناية كل عضو على حدة كما الأصابع و الأكف والأقدام والأرجل والأذرع توضع متقاطعة على الصدر، الجسم يغطى بضمادات طويلة جداً جداً من الكتان المغطسة بمادة صمغية التي تحمي الجسم من الصدمات ولا تسمح للبكتريا بالدخول للجسم. الأحشاء بعد ذلك تغطى بضمادات وتوضع في أربعة أوعية، كل وعاء يحمى من قبل إله.
أغطية الأوعية الأربعة تتخذ شكل أبناء حورس الأربعة.
الوعاء ذو رأس الإنسان يحمي الكبد، الوعاء ذو رأس البابون (نوع من السعادين) رأس (هابي) يحمي الرئتين، الوعاء ذو رأس ابن آوى رأس (دواموتيف) يحمي المعدة،الوعاء ذو رأس الصقر رأس (كيبهسنويف) يحمي الأمعاء. للحفاظ على هيئة الميت، كانوا يستعملون قناعاً يلصق يشبه وجه الشخص الميت.
بعد أن تجف كانوا يصنعون قناعاً فضياً أو ذهبياً يوضع مكان الرأس ليساعد الروح كي تتعرف على صاحبها.
المصريون القدماء كانوا يحرصون على الحفاظ على أجسادهم بعد الموت لذلك بدؤوا يضعون المومياءات في توابيت. في بعض الفترات كانت الأوعية ثلاثاً.
كانت الأوعية تسمى الأوعية الكانوبية نسبة إلى منطقة كانوب (التي هي أبو قير في الإسكندرية اليوم).