هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
[ تأخر علي وأبي بكر في الهجرة ]
أقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن
له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن إلا
علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، " وكان
أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا " فيطمع أبو
بكر أن يكونه.
[ اجتماع الملأ من قريش وتشاورهم في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال
ابن إسحاق : ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له
شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم
عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم . فاجتمعوا له في دار
الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها -
يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه .
قال
ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن
مجاهد بن جبير أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس رضي الله
عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا
فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له
وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه
بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا : من الشيخ ؟
قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن
لا يعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا : أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها
أشراف قريش ، من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو
سفيان بن حرب .
ومن بني نوفل بن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل .
ومن بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة .
ومن بني أسد بن عبد العزى : أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام .
ومن بني مخزوم : أبو جهل بن هشام .
ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ،
ومن
بني جمح : أمية بن خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش . فقال
بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما نأمنه
على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . قال
فتشاوروا .
ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ،
ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة
ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي . والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء
الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من
أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا في
غيره فتشاوروا . ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ،
فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا
منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .
فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب
الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ،
فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى
يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه
رأيا غير هذا . قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم
وقعتم عليه بعد قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة
فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم
يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه . فإنهم إذا
فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب
قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم . قال فقال الشيخ النجدي :
القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم
مجمعون له .
[ خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستخلافه عليا على فراشه ]
فأتى
جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه الليلة
على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على
بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
مكانهم قال لعلي بن أبي طالب ( نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر
، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ) وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام .
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد
بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له وفيهم أبو جهل بن
هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك
العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن ، وإن
لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون
فيها . قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في
يده ثم قال أنا أقول ذلك أنت أحدهم . وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا
يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس : " يس
والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم "
إلى قوله " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه
وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم
انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون
هاهنا ؟ قالوا : محمدا ; قال خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك
منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته أفما ترون ما بكم ؟
قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون
عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون والله
إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده . فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي
الله عنه عن الفراش فقالوا : والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا .